الحلم الصيني
تدير الصين اليوم عمليات واسعة ومدهشة لتوزيع الموارد والمنافع المتأتية من النمو الاقتصادي الذي تشهده البلاد على امتداد العقود الأربعة الأخيرة. ويشكل توزيع الموارد والمنافع الاقتصادية النقطة الأكثر أهمية في النمو الاقتصادي؛ إذ إن التقدم والازدهار ليسا نتيجة تلقائية للنمو في الناتج القومي، بل معيار الازدهار والنجاح والفشل هو مدى ما يستفيده المواطنون أفقيا وعموديا من النشاط الاقتصادي والإنفاق العام في البلد. وعندما تكون المنافع محصورة في أقلية من المواطنين، فليس النمو الاقتصادي سوى فشل أو لعنة تنشئ الفجوات الاجتماعية والفقر والكراهية والغضب والتمرد.
في طريق الحرير التاريخية، أو في القرى والبلدات الواقعة في مقاطعة شينغيانغ/ سنجان شمال غرب الصين، حيث تعيش أغلبية مسلمة في ظل حكم ذاتي للمقاطعة، يمكن ملاحظة كيف ازدهرت المدن (مثل أورومتشي، وألتاي، وتوربان، وشاوان، وماناس، وكاراماي، وفوهاي) والقرى والبلدات في ذلك الإقليم، لتتحول من مناطق ريفية وصحراوية فقيرة ومعزولة ذات طابع رعوي وزراعي محدود، إلى بلاد مزدهرة وعامرة. فالإقليم الذي تبلغ مساحته حوالي 1.6 مليون كيلو متر مربع، ويعيش فيه حوالي 40 مليون نسمة، تربط مدنه ومناطقه اليوم شبكة واسعة من الطرق السريعة بمواصفات متقدمة جدا، والمطارات، وسكة الحديد التي تسير عليها قطارات سريعة جدا. كما تغطي المدن والبلدات مؤسسات تعليمية وصحية راقية، وخدمات أخرى كثيرة من التخطيط والتنظيم الحضري، والاتصالات، والأرصفة والجسور والأنفاق والحدائق والمسارح والمناطق الترفيهية. ففي مقدور المواطنين المقيمين في مدن كبرى أو صغيرة، أو في القرى والبلدات، أن يتمتعوا بمستوى متقدم من المعيشة والتنمية الإنسانية والخدمات الأساسية والثانوية.
وتجد في أعماق الريف والبوادي والمناطق البعيدة مصانع متقدمة ومتطورة للنسيج والصناعات الغذائية وغيرها، ومنصات للتسويق الإلكتروني من خلال شركة "علي بابا" المناظرة لشركة "أمازون" الأميركية. كما تنظم المجالس البلدية والمدينية مجالا واسعا للحياة والاحتياجات لا يقل كفاءة وتقدما عن المدن المركزية. ففي قرى المزارعين الرعاة ومربي المواشي، تجد أحياء سكنية منظمة ونظيفة، وبيوتا جميلة واسعة كأنها ضاحية راقية في المدن، وحدائق عامة، وورشا متقدمة للإنتاج والتصنيع الغذائيين تحول المنتجات الزراعية إلى سلع مصنعة معدة ومعبأة تصلح للتسويق في كل أنحاء العالم من خلال التسويق الإلكتروني. ويستطيع المزارعون والفلاحون أن يستخدموا الحواسيب والشبكة للعمل والتسويق بكفاءة عالية. كما تغطي الأطفال جميعا مدارس حكومية كافية وملائمة، وتُخصص للمتفوقين منهم مدارس متقدمة جدا مزودة بالمساكن والملاعب والمختبرات والمطاعم والعيادات الصحية، وفرصا تعليمية متقدمة في المعرفة والمهارات والإبداع! ويجدون فرصا تنافسية كافية لمتابعة دراستهم في المعاهد والجامعات. وتتمتع المدن والمحافظات برغم اتساع الإقليم، بمستوى متقدم من الأمان والرعاية الصحية والاجتماعية. ولا يحتاج المواطنون في مدنهم ومحافظاتهم إلى خدمات رعاية صحية إضافية يبحثون عنها في المدن الكبرى أو البعيدة.
إن أهمية النموذج الصيني ليست في التقدم الاقتصادي فقط، ولكن في توزيع عائدات وفوائد هذا التقدم على المواطنين، وبمستوى متقدم من العدالة والكفاءة.
(الغد 2016-10-05)