القرية عالم وليس العكس !
بمقدور اي كائن ان يغمض عينيه ويصمّ اذنيه عن كل ما يجري في هذا العالم بتسارع غير مسبوق وان يواصل الهذيان كما لو انه ما يزال يجلس على مصطبة امام دكان في قريته، لكنه عندئذ سيدفع الثمن صاغرا، كما يدفعه الجاهل بالقانون حين يخالفه .
ومن قالوا ان العالم اصبح قرية تورطوا في التفاؤل والتعميم، فالعالم بالنسبة للبعض تضاعفت مساحته عدة مرات، وكذلك المسافات بين قاراته، ومن لم يبصر في حياته سوى غدير آسن او بركة تغطيها الطحالب لن يصدق ان هناك محيطات كالاطلسي والهادي .
وقد يكون الجهل هو احد مصادر الحرية اللامحدودة لدى المصابين بوبائه كما يقول برتراند راسل لأن من لا يعلم لا يتردد في الاجابة عن اي سؤال حتى لو كان محيرا للعلماء والفقهاء، فالعلم قيد، ومن يعرف يتردد كثيرا قبل ان يدلي برأي، لأن مصادره ومرجعياته عديدة ومتباينة ان لم تكن متناقضة .
ما يحيرني اكثر من اي شجن وجودي او تاريخي هو قدرة بعض الناس على بناء جدار سميك بينهم وبين ما يحدث في العالم ولم يسمعوا بعد بما سمي نظرية أثر الفراشة، وربما توقفوا عن النمو عند تلك العبارة الكوميدية التي كان يرددها حسني البورزان وهي اذا كنت تعرف ما يحدث في البرازيل فأنت تعرف ما يحدث في ايطاليا !
وبالنسبة لمن توقفوا عن النمو فإن البرازيل مجرد قهوة وايطاليا كيس من المعكرونة !
ان من يتصورون بأنهم محور الكون وان الشمس تشرق لأجلهم والسماء تمطر لهم وحدهم هم الذين لم يغادروا الكهف، لهذا يفاجأون ان اتيح لهم ذلك بالاثمان الباهظة والمديونيات التي يدفعونها بسبب جهلهم، فالتاريخ كالقانون لا يرحم المغفلين !!
(الدستور2016-10-05)