الفيتو «الخامس».. وهستيريا «المجتمع الدولي»!
لم تكن مُفاجِئة.. الهستيريا التي استقبل بها ممثلو «المجتمع الدولي» استخدام المندوب الروسي في مجلس الامن حق الفيتو (الذي حمل الرقم 5 في ما خصّ الازمة السورية منذ اندلاعها)، لإحباط مشروع القرار الفرنسي الاسباني, الذي لم يكن سوى رغبة من المعسكر الغربي لفرض رؤيته على الازمة السورية,تلك «الرؤية» التي لم تتغيّر منذ العام 2011, سوى في «غَسْل» المزيد من المصطلحات والإدعاءات المزعومة حول حقوق الانسان واغاثة المحاصرين وغيرها مما تعود عليها العالم، بعد ان استمرأت واشنطن ومَنْ حالفها وتَبِعها مُرغماً او راغباً في حمايتها او جيء به على رأس السلطة في البلاد من قِبَلها، كي يكون اداة طيّعة في خدمتها وتنفيذ طلباتها تحت طائلة العزل او القتل او تشويه السمعة والنماذج عديدة واكثر من ان تحصى في منطقتنا، كما في معظم دول آسيا وأميركا اللاتينية وافريقيا وخصوصا في بلاد العرب التي تحفل بالكثير من النماذج الاميركية الصارخة.
ما علينا..
عندما جَال وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرلوت، على موسكو ولاحقاً واشنطن، كي يُروِّج لمشروع بلاده المشترك مع اسبانيا، لم يُبدِ اي نوع من المرونة أو يأخذ في الاعتبار الملاحظات التي ابدتها الدبلوماسية الروسية, وكأنه ذهب الى هناك كي يرفع عن نفسه وبلاده (و المجتمع الدولي الذي يُمثله)... العتب, وكان لسان حاله يقول للروس: اقبلوا هذا المشروع او ارفضوه، ولن نُدخِل أي تعديل عليه. وهو موقف لم يتردّد نائب الوزير الروسي غاتيلوف في وصفه بأن مشروع قراره «يستدرج» فيتو روسياً مُسبقاً.هذا الامر الذي لا يحدث في عالم الدبلوماسية المُعقّد والمفتوح على مساومات ومشاورات ومناورات، كي»يستخرج» المتفاوضون... في النهاية, حصيلةً توافقية, يمكن ان تجد طريقها الى النور وخصوصا في مجلس الامن بتركيبته المعروفة, حيث خمسة «كبار» يمنحهم «الفيتو» هامش مناورة واسع، كي يدفعوا الى الامام او يحبطوا اي مشروع قرار, لا يحظى بموافقتهم او يُهدِّد مصالحهم او ينذر باستخدام غير مشروع للقوة, على النحو الذي مارسته الولايات المتحدة الاميركية عشرات بل مئات المرات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى الان, وخصوصا استخدامها الفيتو دفاعاً عن جرائم اسرائيل وارتكاباتها وسلوكها المزدري للقانون الدولي، لكن المجتمع الدولي «ايَّاه», يغض الطرف عن عربدة اميركية موصوفة في استخدام الفيتو ويسعى عبر هستيريا صاخبة, ولكن مُفتعلة ومصحوبة بمفردات وعبارات تفوح منها رائحة الغطرسة,كما لاحظنا في ردود المندوب البريطاني والفرنسي والاميركي (دع عنك غيرهم), لاستغلال الحقيقة «الاعلامية» التي تقول: ان الجماهير تنسى. ولوضع روسيا تحت القصف الاعلامي والشيّطنة كي يبرز الغرب الاستعماري وكأنه يقف الى جانب الشعوب ويرعى مصالحها.
هل قلنا تركيبة مجلس الأمن؟
نعم...فاذا ما عدنا الى الماضي القريب جدا, نجد ان الولايات المتحدة تحديداً هي التي عارضت وما تزال, إجراء اي تعديل على تركيبة مجلس الامن السارية المفعول منذ سبعة عقود, لانها لا تريد ان تتغير «موازين القوى» في داخله والذي لن يكون الى صالحها بالتأكيد, كما هي الحال اليوم حيث هي ثلاث دول غربية مقابل روسيا والصين، فكيف ستكون الامور اذا ما انضمت دوَلة جديدة لها حق «الفيتو» عن «كل قارة» من قارات العالم, كما هو مُقترح, حيث قيل مصر عن افريقيا واليابان (او الهند) عن آسيا, والمانيا عن اوروبا والبرازيل عن اميركا اللاتينية؟.
ثم جاء مؤخرا من يقترح «تجميد» استخدام «الفيتو» في مسألة حلب, وهو اقتراح عجيب وغير مسبوق, ويبدو انه مخصص للحؤول دون تحرير «الشهباء» من العصابات الارهابية, التي ترفض واشنطن وحلفاؤها في المجتمع الدولي (اقرأ الغرب الاستعماري) الفصل بينهما, ومن اجل ذلك الهدف «غير النبيل» اطاحت واشنطن اتفاق التاسع من ايلول الماضي بين لافروف وكيري, وراحت تدق طبول الحرب وتهيء المناخات لإعادة ارتكاب «خطأ» مجزرة دير الزور, الذي ثبت لمن يُتابع ويدقق ويستنتج انه»فصل» من خطة موضوعة مسبقاً و»بروفة» لما «كانت» تنتويه واشنطن ومن حالفها وتبِعها, كي تدمِّر مدارج المطارات العسكرية والمدنية السورية وتشلّ مراكز القيادة والسيطرة في دمشق وغيرها من المدن السورية، والعمل على اسقاط الدولة السورية, كهدف «تأخر» كثيراً وجاءت «حكاية» حصار حلب, كي تمنح الاميركيين الفرصة لتحقيق هذا الهدف، الذي تؤكد الاحداث وموازين القوى والوقائع الميدانية, انه هدف بعيد المنال ولن يتحقق تحت طائلة المغامرة باندلاع مواجهة حامية، يمكن ان يبدأها الاميركيون لكن قرار انهائها لن يكون في ايديهم بالتأكيد.
لعل الاجتماع الذي دعت اليه المانيا وضم خمس دول غربية, هي بالاضافة الى المانيا، الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا وايطاليا بعد انهيار اتفاق لافروف كيري, يؤكد للجميع أن ما يُقصد دائما بـ»المجتمع الدولي» هي تلك الدول الخمس, وما تبقى مجرد تفاصيل ولَعِب على الكلمات وتضليل برع الغرب الاستعماري في توظيفه لخدمة مصالحه, بالضد من القانون الدولي وحقوق الانسان. أما كل تلك «المخترعات» التضليلية، التي باتت مكشوفة ومن الصعب تسويقها او الترويج لها,فمجرد غطاء واهٍ, ولهذا جاء الفيتو الروسي «الخامس» ليضع الامور في سياقها القانوني والاخلاقي رغم كل فحيح الغرب وضجيجه المُفتعل, بعد ان فشلوا في تمرير مشروعهم الخبيث.
(الرأي2016-10-10)