«القذّافِيّون».. قادمون!
وإذ ليس ثمة «شيء» او تراث يمكن وصفه بـ»القذّافية»، بعد ان اجهز الاخ العقيد قائد ثورة الفاتح من سبتمبر, على كل اسباب الحياة الطبيعية وأعلَن موت السياسة والسياسيين، إلاّ اولئك الذين رأوا في سفينة القذافي فرصة للفوز بالاعطيات والمناصب وربما المستقبل «الشخصي» وليس السياسي بالطبع, بهذه الدرجة او تلك، وخصوصا اذا ما حاز على رضى «الاخ» العقيد وتوصية الأنجال ومباركة الاجهزة، لكن وقد بات العقيد وعهده في ذمة التاريخ، ونجح الثلاثي المُستَعمِر, الفرنسي والبريطاني والأميركي «الاسود», الحائز على جائزة نوبل للسلام الذي اخترع لنا مصطلح «القيادة من الخلف»، في دفع الليبيين للتحسُّر على القذافي والحنين لعهده، إثر معايشتهم «التغيير»الذي وَعَدَهُم ثوار الناتو..به,وما جلبوه لهم من مصائب وكوارث ونكبات, وغياب للأمن والاستقرار, وشح في الخدمات وانهيار تام في البنى التحتية... «وتيه» لا ينتهي،وخصوصا في ظل ما يتسارع الان في ليبيا من أحداث مثيرة وتطورات متلاحقة, بعد ان عجزت الحكومة التي تم استيلادها في العواصم الغربية, وجيء برئيسها فايز السرّاج من الدهاليز المظلمة, وتم وصفها بانها الحكومة «الشرعية الوحيدة»، ما عنى نزع الشرعية «الدولية» ذاتها التي كانت دول الناتو, مَنَحتها لحكومة عبدالله الثني وان كان لا يزال برلمانها – برلمان طبرق – هو المُعترَف به والمطلوب منه منح «الثقة» لحكومة السرّاج، وهي ثقة لم تتم ولا يبدو انها ستتم, رغم كل الضغوط والتهديدات والوساطات بل والتوسلات.
ما علينا.
عندما «خلط» الجنرال خليفة حفتر, الاوراق الليبية وقام بهدم البنى الكرتونية التي ظن المُستعْمِرون الغربيون, انهم وَفّْروا لحكومة السراج المظلة الكفيلة باستمرارها، اعتقد كثيرون ان الجنرال سيكون رجل المرحلة الجديدة, او شريكا قويا ومُقرِّرَاً مهماً فيها, وبخاصة بعد اجتياحه المفاجئ وسيطرته بسهولة لافتة (بل مُريبة) على الهلال النفطي, الذي شكَّل ضربة موجعة لباريس ولندن وروما, ودفعها الى «مساومة» حفتر, عبر الإطراء غير المسبوق, الذي اغدقه عليه ما رتن كوبلر المبعوث الدولي لليبيا، الذي كان قلّل من شأن «الجنرال» واعتبره مجرد عسكري «قديم» بطموحات سياسية مُبالَغ فيها, وبجيش هزيل ومُفكَّك, اشبه بالميليشيات منه الى جيش مُحترِف قادر على تهديد الحكومات التي تم استنساخها اكثر من مرة, وغير قادر الإتيان ببديل عن «اتفاق الصخيرات» الذي يبدو انه ولِد ميتاً، ولم يعد احد يحفل به، اللهم إلاّ عند المآزق او انسداد فرص جمع الافرقاء الليبيين على مائدة واحدة, لا يلبثون بعدها ان... يتفرّقوا.
حفتر... ظن هو الآخر انه بات رقما «صعباً» وانه قادر على إفشال اي محاولة لتجاوزه، فراح يُطلِق التصريحات العنترية ويُعلِن الشروط التعجيزية, ويُحدِّد المواعيد والأجندات الزمنية, مُغازِلاً عواصم اقليمية ودولية، بل اضطر رئيس الحكومة المُفتقِدة الثقة والتأثير والدور.. فايز السراج، الى دعوة الجنرال للمشاركة في حكومة «وحدة وطنية» تضم الاطراف الليبية كافة, بهدف اخراج البلاد من الحال البائسة التي تعيشها، لكن موقف حفتر بقي «غامضا» ويبدو انه يُراهن على عامل الوقت لاستنزاف خصومه و»قضم» المزيد من «الأراضي» والمواقع والمدن واسترضاء بل واستعطاف المزيد من زعماء القبائل الليبية, الذين انضم بعضهم اليه، وهناك من قلّْل من شأن سيطرة «جيش» حفتر «الوطني», على الهلال النفطي، عازياً تلك السيطرة الى رجال القبائل وميليشياتهم الذين «حرّروا» ذلك الهلال ومنحوا «الميدالية» لحفتر وجيشه, بهدف رفع أسهُمِه ومحاولة منه لفرض شروطه على «السرّاج», الذي لم يَعد «يملك» اي «ورقة» رابحة أو مُهِمة, ما دامت الورقة «الأهم» وهي النفط, قد «طارت» من يده.
الجديد في المشهد الليبي هو ان اكثر من «تَمرُّد» قد حدث ضد حفتر وقيادته, وبات ايتام الاخ العقيد أو أتباعِه إن شِئت, يمتلكون قدرة الخروج على طاعتِه وأوامِرِه, وراحوا يسعون لخلق «قوات موازية» يقودها «قَذّافِيّون» سابقون, تولوا مسؤوليات «عسكرية» في عصر الجماهيرية ويحظون بدعم «قبائلي» في الغرب الليبي وخصوصاً في الجنوب، ولم يتردَّد الموالون لحفتر في وصف هؤلاء بانهم «ازلام النظام السابق» وانهم يهدِفون الى تقسيم «القوات المسلحة» (....) الى ثلاثة اجزاء شرق، غرب، وجنوب. وهي اتهامات يصعب تصديقها او الركون اليها, اذا ما اخذنا في الاعتبار الانباء التي تحدثت عن قيام «الامانة العامة لقبائل المنطقة الجنوبية» بتشكيل غرفة عمليات عسكرية مُوحَّدة بالمنطقة الجنوبية وتَوْلِية «العسكري» القذافيّ السابق «علي كنة»... آمراً لها. ناهيك عما يتردَّد من انشقاق» آخر» في المنطقة الغربية, قاده قائد بارز (سابق) في كتائب القذافي, اسمه عمر تنتوش.
مركز الجنرال حفتر يزداد تصدعاً ولن يُغيّر من المُعطيات الجديدة هذه, وَصْفه المُنشقّين والمتمرِّدين على قيادته, بانهم ازلام «النظام السابق» او رغبتهم بمشاركته السلطة والقرار. فليبيا سائرة الى مزيد من التشظي والانقسام, بعد ان لم يعد الأطالِسة (دع عنك العرب و»جامِعَتهم» التي شرّعنت الغزو الاطلسي) على تلك الدرجة من الاهتمام بما يحدث في بلد, خَرَّبوه وارجعوه سنوات «مديدة».. الى الوراء. وها هم «القذَّافِّيون» الجُدد, يعودون دون اي برنامج معروف أو افق مفتوح او خريطة طريق واضحة.. فتبدو كل الطرق مسدودة في الهضبة الإفريقية(كما تُسمَّى ليبيا).. ولو إلى حين.
(الرأي2016-10-12)