"السُنّة" في اليوم التالي..

تم نشره الخميس 13 تشرين الأوّل / أكتوبر 2016 12:24 صباحاً
"السُنّة" في اليوم التالي..
محمد أبو رمان

تدفع المؤشرات والتصريحات والتسريبات إلى القناعة بأنّ معركة "تحرير الموصل" من يد "داعش" باتت قريبة جداً. فالقوات المحاصرة للمدينة لا تبعد عن مركزها سوى كيلومترات قليلة، بينما المفاوضات والنقاشات الدولية والإقليمية المرتبطة بعملية التحرير قائمة على قدم وساق، بخاصة مع الهواجس المشروعة الكبيرة من عدم التزام قوات "الحشد الشعبي" (الجانب الإيراني) بالشروط الأميركية والتركية، للتخفيف من حجم تلك الهواجس السُنّية.

مع ذلك، يبقى شبح ما حدث في المدن الأخرى؛ الفلوجة والرمادي وغيرهما، يهيمن على سكان الموصل الذين يتوقون، عموماً، إلى التخلص من "نظام داعش"، لكنّهم في الوقت نفسه يرونه "أهون الشرّين"، إذا كانوا سيتعرضون لما تعرّض له العراقيون السُنّة الآخرون في تلك المدن؛ فهي "معضلة" حقيقية تواجههم، ولا يوجد "طرف إقليمي" سُنّي قادر على الدخول إلى قلب هذه "المعادلة" لتوفير الضمانات، بالرغم من التفاهمات التي حدثت بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والأميركيين حول "معركة الموصل"!

ليس من منظور طائفي، بل "ضد-طائفي"، من الضرروي أن يتحدث طرف إقليمي وعربي اليوم باسم السُنّة، في مرحلة ما بعد "داعش"، سواء في الموصل أو الرقّة، لأنّ إيران تعمل بوضوح تحت الشمس على مشروع إقليمي يقوم على "هندسة ديمغرافية"، وبعبارة أخرى "تطهير طائفي"، ما سيؤدي إلى تعزيز "المظلومية السُنيّة" في العراق وسورية ولبنان، وربما معهم اليمن، ما لا يمكن أن يؤدي إلى استقرار سياسي وأمني وسلم أهلي في المنطقة!

السُنّة العراقيون والسوريون بحاجة إلى "جدار إقليمي" يتكئون عليه، وهم يعيشون أخطر لحظاتهم التاريخية، ومهددون في هويتهم ووجودهم، وأمنهم اليومي والإنساني. ذلك ما أشار إليه مؤخراً تقرير مهم نشرته مجلة "إكونومست" بعنوان "الأقلية السُنّية في العراق.. اليوم التالي"، وتحدث عن حالة الرعب والضياع التي يعيشها سُنّة العراق، بعد أن تمّ تهجير أغلبهم خارج العراق أو داخله إلى كردستان، حيث يعيشون كلاجئين من الخارج، وكنازحين ليس من الداخل!

قبل ذلك، كتب الصحفي المعروف ديفيد هيرست مقالاً مهماً (ترجمه موقع "عربي 21") عن معركة ما تبقى من حلب (الشرقية)، في حال سقط هذا الحصن الأخير للمعارضة. إذ هناك أبعاد رمزية وروحية خطيرة جداً ستترتب على هذا "السقوط"؛ فإذا وضعنا كلا من حلب والموصل بالإضافة إلى سامراء (التي بناها العباسيون) وبغداد ودمشق وصنعاء وبيروت في المعيّة، فإنّنا نتحدث عملياً عن "مصائر المدن السُنّية" الرهيب!

لا أودّ (أنا) ولا أنتم أن نقرأ المشهد بهذه الطريقة، أي الطائفية، لكنّها القراءة التي ستسود، للأسف، لدى ملايين السُنّة. وهي التي ستغذّي خطاب "داعش" و"جبهة النصرة/ فتح الشام" والتطرّف السني. وفي كتابنا "تنظيم الدولة الإسلامية: الأزمة السنيّة والصراع على الجهادية العالمية" (الذي ألفته مع الصديق الباحث والخبير بالحركات الإسلامية، حسن أبو هنية)، ربطنا صعود تنظيم "داعش" بالأزمة السُنيّة بصورة واضحة، وشرّحنا أيديولوجيا التنظيم وبنيته التنظيمية وتطوره وكيف تزاوج ذلك مع المسألة السُنية في العراق، هذا ولم يكن النفوذ الإيراني قد وصل إلى هذا المدّ، ولم تكن "العواصم العربية" سقطت، فتصوروا حجم الارتباك المتوقع في المجتمعات السُنية غداً وما سينجم عنه!

إنّنا أمام انفجار كارثي للصراع والطائفية ولتطريف المجتمع السني، على الأقل في العراق وسورية، مع نسبةٍ كبيرةٍ من الشباب العربي المنفعل بهذه التطورات، وبخيبة الأمل والإحباط من ضعف الدول العربية ومحدودية قدرتها على الردّ.

(الغد 2016-10-13)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات