عباس و"إسرائيل" والصهيونية.. من دعم السلاح إلى القبول والتأقلم
المدينة نيوز :- من الدارج خلال خطابات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن يتهم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ويحمّله مسؤولية الحراك الشعبي في الشارع الفلسطيني الذي وضع تحديات جديدة أمام أجهزة الضبط الأمني من الطرفين، أي سلسلة عمليات الطعن والدعس والتفجيرات وإطلاق النار، التي لم ينتمِ في الغالب منفذوها إلى أي تنظيم معروف,بحسب الخليج اون لاين.
وفي هذا السياق، من المألوف أن ينقل الإعلام العبري تصريحات مسؤولين ومحللين وقادة اليمين المتطرف يقولون فيها إن خطاب عبّاس مزدوج، أي إنه يغيّر بمصطلحاته ولهجته حول الصراع والاحتلال حسب الجمهور المستمع. فإذا كان الجمهور محلياً فلسطينياً عربياً يستخدم خطاباً يحث على الحرب، في حين يحمل خطاب السلام في المحافل الدولية أمام العالم.
عباس متصالح مع الصهيونية
تنفي دراسة جديدة نشرها "منتدى التفكير الإقليمي" الإسرائيلي، الادعاءات السابقة، إذ يقول الباحث إلحانان ميلر أن لا خطاب مزدوجاً لدى عباس؛ بل هناك تغيّر جذري طرأ على خطابه على مرّ السنين والذي تحوّل من "الكفاح" ضد الصهيونية إلى "القبول"، الأمر الذي تجلى بتوقف استخدامه لكلمة "الصهيونية" في السياقات السلبية بكتاباته الفكرية.
في الدراسة -الأولى من نوعها- يتناول الباحث "التغير في الفكر السياسي لدى قائد الحركة الوطنية الفلسطينية -محمود عباس- خلال الـ11 عاماً الأخيرة"، والذي يفضي إلى أن مواقفه تجاه الاحتلال الإسرائيلي والصهيونية "تطورت وأصبحت أكثر اعتدالاً مع السنين". وللوصول لهذ الاستنتاج، اعتمدت الدراسة على تحليل المنتجات الفكرية لعباس من دراسات وكتب ومقالات وأطروحة الدكتوراه، إضافة إلى تحليل خطاباته اللاحقة.
كيف كان الكفاح المسلح بعيون عباس وكيف أصبح؟
في كتابه الأول الصادر في أواخر الستينات -وفقاً للدراسة- عد عباس الكفاح المسلح إحدى الوسائل الضرورية لتحقيق الهدف المتمثل بالاستقلال الوطني الفلسطيني بدولة تعددية علمانية ترسخ المساواة. واستمر في دعمه الكفاح المسلح وعدّه أداة استراتيجية تهدف إلى لفت أنظار العالم للقضية الفلسطينية.
حتى إنه في عام 1981 عندما كانت الحرب بين الاحتلال الإسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية في أوجها، قدم عباس توصيات، من خلال دراسة نشرها، تهدف إلى توظيف القوة العسكرية بحكمة. إذ بارك التفجيرات التي نفذت في "كريات شمونة" شمالي فلسطين المحتلة و8 بلدات أخرى حولها، والتي أدت لهجرة داخلية نزح فيها آلاف الإسرائيليين جنوباً.
ونظراً لاعتباره ان هذا النزوح هو بداية لهجرة الإسرائيليين لخارج البلاد والعودة لمواطنهم الأصلية، أوصى عباس المقاومة الفلسطينية بالتركيز على استهداف البلدات المليئة بالمدنيين وإلحاق "أكبر عدد ممكن من الخسائر البشرية"، كما أوصى الفدائيين الابتعاد عن استهداف المؤسسات والمصانع داخل دولة الاحتلال كونها "لا تؤثر على سير الحياة في إسرائيل"، كما اعترض على العمليات الفدائية في أوروبا لتجنب حصول الحركة الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي على دعم أكبر.
وبالرغم من دعمه لاستهداف الأنفس في الجانب الإسرائيلي خلال الكفاح المسلح، كان كذلك يعتبر أن الخيار العسكري ليس الخيار الوحيد، وأنه أداة استراتيجية وليس هدفاً. ففي كتابه الصادر عام 1977 قال إن هناك "الكثير من الخيارات التي قد تكون أكثر فائدة من الحرب وحدها".
وبعد سنوات طويلة، بعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، بدأ التغيّر الجليّ يظهر في خطاب عباس المعلن، إذ نسب فوز نتنياهو بانتخابات الكنيست عام 1996 إلى فشل السلطة الفلسطينية نزع سلاح حركة حماس وعدم ضبطها لحركات الكفاح المسلّح. فبنظره، استمرار العمل المسلح ضد الاحتلال تسبب بخوف الإسرائيليين، الذي شكّل بدوره المحرك الأساسي لانتخاب نتنياهو بدلاً من سمعون بيريس الذي كان من مهندسي أوسلو.