متلازمة التهميش والمرض
نتائج لافتة تلك التي خلصت إليها إحدى الدراسات التي نشرت مؤخراً، وبيَّنت أن أنواعاً معينة من السرطان، وبالتحديد تلك التي ترتبط بانتشار العادات السيئة، تكثر بين السكان الأصليين في كل من الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، مقارنة ببقية مواطني تلك الدول.
فقد بيَّنت تلك الدراسة أن نسبة الإصابة بأنواع السرطان المرتبطة بالتدخين، وكذلك تلك التي ترتبط بالأمراض المعدية، تنتشر بصورة كبيرة بين هذه الفئة من السكان، فالإصابة بسرطان الرئة عند هؤلاء تزيد بنسبة تتراوح بين 50 - 70٪ عن بقية السكان، أما نسبة الإصابة بسرطان عنق الرحم عند نسائهم، فتصل إلى ضعفَي نسبتها عند مثيلاتهن من السكان غير الأصليين.
ففي هذه المجتمعات المهمَّشة التي تكثر فيها البطالة والجهل، يلجأ الناس إلى هذه العادات السيئة للهروب من الواقع، وجهلاً منهم بالآثار المدمرة التي تسببها هذه العادات.
كما بيَّنت دراسات أخرى أن المرض يكتشف في مراحل متأخرة في المجتمعات الأقل تعليماً والأكثر فقراً، مما يجعل فرص الشفاء متدنية، وذلك ما ينعكس سلباً على متوسط أعمارهم؛ حيث يعمرون أقل من بقية مواطني تلك الدول.
كنت قبل فترة في زيارة إلى إحدى دول شرق آسيا المتطورة، وقد لفت انتباهي المرتبة المتقدمة التي يحتلها سرطان الفم والرقبة عندهم، لكن الجواب كان أن العلة تكمن في إحدى المواد التي يمضغها أبناء الطبقات الفقيرة، والتي تسبب أمراضاً كثيرة، منها السرطان.
وإذا ما ذهبنا إلى إفريقيا المنكوبة بالجهل والفساد، فإن أنواع السرطان المرتبطة بالأمراض المعدية تحتل المراكز الأولى، وتشكل أحد أهم أسباب الوفاة المبكرة في تلك الدول.
مما سبق يتبيَّن أنه لا يمكن لنا أن نتقدم في مسار الإصلاح الصحي دون إصلاح اقتصادي واجتماعي وسياسي، ودون الالتفات إلى المجتمعات المهمَّشة وتحقيق العدالة، ورفع مستوى الوعي لديها، ودون ذلك سنبقى ننفخ في "قِربة" مثقوبة.
فالعامل الأساسي في إصابة المرء بالسرطان واحتمالية الشفاء منه لا يكمن في العوامل الجينية، وإنما الاجتماعية، ففرصة الشفاء للإنسان الذي يولد ويعيش في دولة متقدمة أكثر بكثير من ذلك الذي يعيش في دولة أو مجتمع متخلّف، فالمشكلة ليست في الجينات، وإنما في العقليات.