«الفلبين».. بين الولايات المتحدة و.. الصين !
![«الفلبين».. بين الولايات المتحدة و.. الصين ! «الفلبين».. بين الولايات المتحدة و.. الصين !](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/db653a22b3cdce099f4cb10e3d37b809.jpg)
على رغم ما تحفل به منطقتنا من تطورات وكوارث وما تشتعل بين جنباتها وعلى تخومها من حرائق, وما قد تفضي اليه «الحروب» المحتدمة الان وتلك التي يُحضِّر لها او يُهدّد بها الغرب الاستعماري وبخاصة في ظل اقتراب موعد حسم معركة حلب التي اثبتت الأيام الثلاثة الاخيرة عدم رغبة واشنطن والاتحاد الاوروبي وخصوصاً بعض العرب في وضع حد لعربدة وارهاب تنظيم جبهة فتح الشام/ النصرة سابقاً ومن معها ممن يتّخذون من اهالي احياء شرقي حلب دروعاً بشرية, كي يواصلوا تنفيذ مؤامراتهم الشريرة في استدراج حرب شاملة في المنطقة قد تكون عالمية الطابع او المآل.
نقول: رغم كل ذلك يبدو «النموذج» الذي يُكرسه الرئيس الفلبيني رودريغو دويترتي لافتاً, في «نطنطاته» وتصريحاته المتباينة ومواقفه المتذبذبة وغير المتزنة احياناً, وإن كانت في بعض «تجلياتها» تثير الحماسة في شأن الغضب الآخذ في التمدد على اكثر من منطقة في العالم، غضباً من الولايات المتحدة الاميركية واحتجاجاً على غطرستها واستكبارها و»توظيفها» علاقاتها مع الدول الاخرى بما فيها اقرب حلفائها مثل الاتحاد الاوروبي ومعظم العرب, لخدمة مصلحها الانانية.
الرئيس الفلبيني الذي يتعرض لانتقادات لاذعة جراء حملته الدموية التي ازهقت ارواح اكثر من «2400» من المواطنين الفلبينيين بذريعة محاربة المخدرات والجريمة لا يشبه الزعيم الفنزويلي الراحل هوغوتشافيز, ولا يسعى للتشبه به. وربما يعرف قليلا عن «عهد» الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي الذي قتله ثوار الاطلسي قبل خمسة اعوام من الان (20/10/2011)، لكنه لم يلتقيه او يسمع بنظريته «الثالثة» ولا بتقلبات مواقفه السياسية وخروجه الدائم على المألوف والاعراف السياسية والدبلوماسية، لكنه يشبهه في هذا الشأن, خصوصاً عندما هبط في العاصمة الصينية بيجين لحضور منتدى اقتصادي, توّجَه بقمة مع الرئيس الصيني جين بينغ، أعقبها بتصريحات بدت وكأنها «ثورية» بل وانقلابية ذات تأثير مدوٍ على مجمل العلاقات بين دول المنطقة و»مزلزلة» في تبعاتها الاستراتيجية, وبخاصة في نسف او التأثير على الاستراتيجية الاميركية في تلك المنطقة, من العالم المرشحة لأن تكون ساحة «المعارك» اوالحروب الطاحنة التي ستُقرِّر مستقبل النظام الدولي الجديد, وبخاصة بعد ان أكدت واشنطن نيتها «نقل» ثقلها العسكري والسياسي والدبلوماسي وخصوصاً الاقتصادي, الى منطقة المحيط الهاديء، أي في مواجهة الصين والى حد كبير روسيا... أيضاً.
الرئيس دوتيرتي أعلن بحضور الرئيس الصيني «انفصاله» عن الولايات المتحدة، في خطوة دراماتيكية قابلها الحضور بــ»التصفيق», كونها جاءت مفاجِئة, ليس فقط من جانب دولة تعتبر قاعدة وجزءاً اساسياً من استراتيجية واشنطن في تلك المنطقة وانما أيضاً لان «مانيلا» هي رأس حربة في المشروع الاميركي الرامي للتحرش بالصين ولو عسكرياً لمنعها من بسط سيطرتها على بحر الصين الجنوبي, الذي يكثر القول عنه انه بحر دولي «لا» علاقة للصين تاريخياً به, وهو «قرار» اعلنته محكمة تحكيم غير دولية وغير قانونية مؤخراً, رفضته الصين التي لم تشارك في التحكيم المذكور واعتبرت» القرار»... كأنه لم يكن.
الطريف في كل ما جرى ان الرئيس الفلبيني وبمجرد ان عاد الى بلاده, قام من فوره بـ»لَحْسِ» اعلانه والتراجع عنه. وقال: انه «لن» يُنهي الحلف القائم بين بلاده والولايات المتحدة, مُضيفاً: لا يتعلق الأمر بقطع العلاقات... القطيعة هي قطع العلاقات الدبلوماسية، وأنا لا يمكنني ان افعل ذلك، لماذا؟ لأنه من مصلحة بلادي ألاّ أفعل ذلك، اجاب فخامته. هنا والآن.. يبرز عقم الرهان على شخصية مُتهوِرة ومتقلبة كهذا الرئيس, في حسابات دولة مثل الصين التي يبدو أنها لا تُسرع على عادة «العرب» الى الاشادة بخطوات غير مضمونة كهذه, ولرجل قد يكون وصل الى منصبه بانتخابات حرة ونزيهة, إلاّ انه غير قادر على الاستمرار, إذا ما واصل حملته الدموية على شعبه وواصل شتائمه ضد الأمم المتحدة التي هدّدها بالانسحاب منها وادار ظهره – وهو الحامل لشهادة الحقوق والممارس مهنتها – لدعوات منظمات حقوق الانسان, كي يمنح «العدالة» فرصة, بدل اللجوء الى القتل غير القانوني بذريعة مكافحة المخدرات والجريمة.
نحسب ان بيجين لا تقبض تصريحات دوتيرتي بجدية او تراهن عليها, وإن كان «دغدغ» عواطفها عندما قال مثلاً: خلال الحرب الباردة عُدّت الصين طرفاً شريراً... ما قرأناه في كتبنا المدرسية كان فقط دعاية فَبّْركها «الغرب». فضلاً عن تصريحات صينية بدت بروتوكولية اكثر منها ذات طابع جدّي وإن كانت تتمنى حصول ذلك, كما ورد على لسان الناطقة باسم الخارجية الصينية: «.. التقدم نحو حَلّ الخلافات عبر التشاور والحوار، تلك هي الطريقة التي يجب ان يتعامل بها جاران قريبان».
في السطر الاخير... واشنطن ستُبدي ارتياحاً بعد تصريحات دوتيرتي «الثانية» بعد ان وقعت في مربع الارتباك والحيرة, إثر تصريحاته «الانفصالية» الاولى وخصوصاً قوله للزعماء الصينيين: تبنّْينا تياركم «الايديولوجي» وسأزور روسيا أيضاً للحديث مع بوتين, ولأقول له: نحن «ثلاثة» ضد العالم.. الصين والفلبين وروسيا، هذا هو الطريق «الوحيد».
موسكو وخصوصاً بيجين, ليستا – في ما نحسب – بحاجة الى نماذج من هذا الطراز, بعد ان جرّْبتا طوال العقود الستة الاخيرة, نماذج اكثر «ثورية» من دويترتي, تبين لاحقاً أنها أسوأ من كل الرجعيين واليمينيين الذين احتضنتهم ورعتهم, وربما صفّتهم ونكّلت بهم.. واشنطن. خصوصاً «العرب»..منهم.
(الرأي2016-10-23)