اتفاقية الغاز الإسرائيلي
يركز معظم النقاش الدائر حول اتفاقية الغاز الإسرائيلي، خاصة التبريرات التي وردت من الحكومة، على النواحي الاقتصادية. إلا أنه حتى هذه الحجة الاقتصادية التي تقول إن الأردن سيوفر 100 مليون دولار سنويا، لم تُدعّم بأرقام واضحة شفافة، ولم يرافقها أي جهد حقيقي للحوار مع المجتمع ومجلس النواب.
لكن الإشكالية الحقيقية لا تتمثل في مئة مليون دولار، وهو ليس بالرقم الكبير حتى لو صح؛ وإنما تتمثل في نية الحكومة ربط قطاع الطاقة الحيوي بإسرائيل، ولمدة خمسة عشر عاما. ولا أحد من الحكومة يريد التطرق لهذا الموضوع أو الدفاع عنه، لا بل لجأت الحكومة لوسيلة توقيع هذه الاتفاقية من خلال شركة الكهرباء لتجنب مناقشتها في مجلس النواب. إذ تريد الحكومة تمرير الاتفاقية بالرغم من المعارضة الشعبية التي لا يبدو أن حجمها ذو تأثير على القرار.
صحيح أن هناك اتفاقية سلام مع إسرائيل. لكن صحيح أيضا أن هذه الاتفاقية لا تجبر الأردن على توقيع مثل هذه الاتفاقية، خاصة أننا نعيش في زمن غير الزمن الذي وقعت اتفاقية السلام فيه، والذي كان من المؤمل في حينه إنهاء الاحتلال الإسرائيلي. فالحكومة الإسرائيلية اليوم غير راغبة في إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، وقد صرح بذلك رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو عشرات المرات أثناء حملته الانتخابية. وبعد أكثر من عشرين عاما، حاول الأردن والمجتمع الدولي جاهدين خلالها إنهاء الاحتلال، يبدو واضحا أن حل الدولتين مات، وأن لذلك تبعات خطيرة على الأمن القومي الأردني، ليس أولاها الحائط العنصري الذي بنته إسرائيل داخل الضفة الغربية، والذي كان للأردن موقف مشرف في معارضته أمام محكمة العدل الدولية؛ ولن تكون آخرها محاولات إسرائيل المستميتة إقحام الأردن في ترتيبات إدارية في الضفة الغربية لمنع قيام دولة فلسطينية.
يضاف إلى ذلك تعديات إسرائيل المستمرة على المسجد الأقصى، والتي أدت إلى تأزيم متصاعد للعلاقة مع الحكومة الأردنية، كان آخرها مشاركة نتنياهو نفسه في الحفريات التي تجرى تحت المسجد الأقصى، ودعوته الشباب الإسرائيلي للمشاركة في عمليات الحفر. هذا ما يحدث اليوم، فما بالك بما سيحدث خلال خمسة عشر عاما مقبلة؛ من المؤكد أن الأمور ستتجه خلالها نحو المزيد من التأزيم سياسيا وأمنيا جراء الممارسات الإسرائيلية.
وسط هذا الواقع الجيوسياسي، لسان حال الحكومة يقول إن كل هذا يمكن تجاهله، ويمكن لنا إدارة الأمور مع إسرائيل لأننا سنوفر 100 مليون دولار سنويا، بالرغم من إدامة الاحتلال، وبالرغم من تهديد إسرائيل للأمن القومي الأردني، وبالرغم مما يجري وسيجري في المسجد الأقصى، وبالرغم من مقتل أردنيين في غضون عام على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، وبالرغم من المعارضة الشعبية الأردنية. دعوا كل ذلك جانبا، فنحن سنوفر 100 مليون دولار سنويا، من السهولة بمكان توفيرها عن طريق خفض النفقات في أماكن عدة.
ليست العاطفة هي الدافع من وراء هذا المقال. لكنني، كما كثيرون، لا أشعر أن مثل هذا القرار يمكن أن يتخذ بهذه البساطة، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار كل العوامل المذكورة أعلاه. من حق المواطن الأردني أن يناقش هذا الموضوع، وأن يتناوله بالتمحيص الكافي، أما أن يعامل الأمر وكأننا نستورد الغاز من سويسرا، فهذا لا يجوز. ولنفترض أن الغاز لم يكتشف في إسرائيل، فما كنّا فاعلين؟ ألم نكن سنبحث عن خيارات أخرى؟ وهل نصدق أن 100 مليون دولار سبب كاف لتعريض الأمن القومي الأردني لهزات مستقبلية؟
أخشى أن السبب الرئيس وراء هذه الاتفاقية سياسي وليس اقتصاديا. وما أزال غير قادر على تخيل كيف ستصمد الحجة الاقتصادية الواهنة أمام ما ينتظرنا من تعنت إسرائيلي خلال الخمسة عشر عاما المقبلة، وكيف نقبل أن نرهن قطاعا حيويا في اقتصادنا لدولة تعمل ضد أمننا القومي، وضد الحقوق الفلسطينية.
(الغد 2016-11-02)