اتفاقية الغاز الإسرائيلي

تم نشره الأربعاء 02nd تشرين الثّاني / نوفمبر 2016 12:28 صباحاً
اتفاقية الغاز الإسرائيلي
مروان المعشر

يركز معظم النقاش الدائر حول اتفاقية الغاز الإسرائيلي، خاصة التبريرات التي وردت من الحكومة، على النواحي الاقتصادية. إلا أنه حتى هذه الحجة الاقتصادية التي تقول إن الأردن سيوفر 100 مليون دولار سنويا، لم تُدعّم بأرقام واضحة شفافة، ولم يرافقها أي جهد حقيقي للحوار مع المجتمع ومجلس النواب.

لكن الإشكالية الحقيقية لا تتمثل في مئة مليون دولار، وهو ليس بالرقم الكبير حتى لو صح؛ وإنما تتمثل في نية الحكومة ربط قطاع الطاقة الحيوي بإسرائيل، ولمدة خمسة عشر عاما. ولا أحد من الحكومة يريد التطرق لهذا الموضوع أو الدفاع عنه، لا بل لجأت الحكومة لوسيلة توقيع هذه الاتفاقية من خلال شركة الكهرباء لتجنب مناقشتها في مجلس النواب. إذ تريد الحكومة تمرير الاتفاقية بالرغم من المعارضة الشعبية التي لا يبدو أن حجمها ذو تأثير على القرار.

صحيح أن هناك اتفاقية سلام مع إسرائيل. لكن صحيح أيضا أن هذه الاتفاقية لا تجبر الأردن على توقيع مثل هذه الاتفاقية، خاصة أننا نعيش في زمن غير الزمن الذي وقعت اتفاقية السلام فيه، والذي كان من المؤمل في حينه إنهاء الاحتلال الإسرائيلي. فالحكومة الإسرائيلية اليوم غير راغبة في إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، وقد صرح بذلك رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو عشرات المرات أثناء حملته الانتخابية. وبعد أكثر من عشرين عاما، حاول الأردن والمجتمع الدولي جاهدين خلالها إنهاء الاحتلال، يبدو واضحا أن حل الدولتين مات، وأن لذلك تبعات خطيرة على الأمن القومي الأردني، ليس أولاها الحائط العنصري الذي بنته إسرائيل داخل الضفة الغربية، والذي كان للأردن موقف مشرف في معارضته أمام محكمة العدل الدولية؛ ولن تكون آخرها محاولات إسرائيل المستميتة إقحام الأردن في ترتيبات إدارية في الضفة الغربية لمنع قيام دولة فلسطينية.

يضاف إلى ذلك تعديات إسرائيل المستمرة على المسجد الأقصى، والتي أدت إلى تأزيم متصاعد للعلاقة مع الحكومة الأردنية، كان آخرها مشاركة نتنياهو نفسه في الحفريات التي تجرى تحت المسجد الأقصى، ودعوته الشباب الإسرائيلي للمشاركة في عمليات الحفر. هذا ما يحدث اليوم، فما بالك بما سيحدث خلال خمسة عشر عاما مقبلة؛ من المؤكد أن الأمور ستتجه خلالها نحو المزيد من التأزيم سياسيا وأمنيا جراء الممارسات الإسرائيلية.

وسط هذا الواقع الجيوسياسي، لسان حال الحكومة يقول إن كل هذا يمكن تجاهله، ويمكن لنا إدارة الأمور مع إسرائيل لأننا سنوفر 100 مليون دولار سنويا، بالرغم من إدامة الاحتلال، وبالرغم من تهديد إسرائيل للأمن القومي الأردني، وبالرغم مما يجري وسيجري في المسجد الأقصى، وبالرغم من مقتل أردنيين في غضون عام على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، وبالرغم من المعارضة الشعبية الأردنية. دعوا كل ذلك جانبا، فنحن سنوفر 100 مليون دولار سنويا، من السهولة بمكان توفيرها عن طريق خفض النفقات في أماكن عدة.

ليست العاطفة هي الدافع من وراء هذا المقال. لكنني، كما كثيرون، لا أشعر أن مثل هذا القرار يمكن أن يتخذ بهذه البساطة، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار كل العوامل المذكورة أعلاه. من حق المواطن الأردني أن يناقش هذا الموضوع، وأن يتناوله بالتمحيص الكافي، أما أن يعامل الأمر وكأننا نستورد الغاز من سويسرا، فهذا لا يجوز. ولنفترض أن الغاز لم يكتشف في إسرائيل، فما كنّا فاعلين؟ ألم نكن سنبحث عن خيارات أخرى؟ وهل نصدق أن 100 مليون دولار سبب كاف لتعريض الأمن القومي الأردني لهزات مستقبلية؟

أخشى أن السبب الرئيس وراء هذه الاتفاقية سياسي وليس اقتصاديا. وما أزال غير قادر على تخيل كيف ستصمد الحجة الاقتصادية الواهنة أمام ما ينتظرنا من تعنت إسرائيلي خلال الخمسة عشر عاما المقبلة، وكيف نقبل أن نرهن قطاعا حيويا في اقتصادنا لدولة تعمل ضد أمننا القومي، وضد الحقوق الفلسطينية.

(الغد 2016-11-02)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات