عودة الجنرال إلى قصره.. ماذا بعد ؟!
عندما دخل الرئيس اللبناني المنتخب الجنرال عون قصر الرئاسة في بعبدا كان يرتدي بدلة بلون « كحلي غامق « ، وليس بيضاء كما هي عادة الرؤساء في لبنان. ولكن الجنرال وعد بفتح صفحة بيضاء ، في حاضر لبنان الجديد. واذا كانت كلمته في خطاب القسم موجزة ، الا انها حملت عناوين مبشرة متفائلة ، كما حملت رسائل الى الفرقاء والشركاء بمضامين ترضي تحالف 14 آذار وحركة 8آذار معا، وهو العارف أنه يعيش في منطقة تتغير فيها التحالفات والمصالح بسرعة.
واللافت أن الرئيس اللبناني الثالث عشر، عندما مشى على البساط الأحمر بخطوات الواثق، كان متجهما، وكأنه في حوار داخلي خاص. كان واضحا أن الجنرال الاتي من سلاح المدفعية ومن ساحة المعارك السياسية، يعرف طريقه داخل القصر ، فهو العارف بجغرافية المكان وتفاصيل المشهد. كان غارقا في فكرة بين الماضي والحاضر ، بين الواقع والمتخيل ، بين دخوله القصر، في ظل العلم اللبناني وعلى وقع النشيد الوطني ، وبين خروجه من القصر ، قبل 26 عاما ، على وقع انفجارات القصف الجوي وهدير الدبابات ، والتي اضطرته الى اللجوء للسفارة الفرنسية ، ومنها الى المنفى في باريس.
عاد الجنرال عون الى قصر بعبدا رئيسا ، نتيجة انتخابات هي الأطول ، وكثرت فيها المنغصات الديمقراطية ، والعرض الهزلي ، بشكل غير مسبوق ، وكأن الرئيس ولد بعملية قيصرية ، على عكس ما توقعه اللبنانيون. ولكن فوز الجنرال قوبل بارتياح شامل ، توجه اللبنانيون باحتفال شعبي مهيب، ذكّرنا بيوم انتخاب الجنرال فؤاد شهاب ، المخلّص الذي جاء من المؤسسة العسكرية لأنقاذ البلاد, في اعقاب الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان عام 1958.
الجنرال ، اكمل مشواره داخل القصر حتى وصل الى كرسي الرئاسة ، فجلس وقد حقق حلمه ، بعد انتظار صعب ومر ، جلس بثقة ، معلنا أن الشغور الرئاسي قد انتهى. في خلفية الصورة ، ظهرالعلم اللبناني الى جانب تمثال مقطوع الرأس ينتصب وراء كرسي ، كانت قبل لحظات بلا رأس (رئيس ) لعامين ونصف.
الحقيقة ان الجنرال عون صبر صبر أيوب لتحقيق حلمه ، والمعروف عنه انه العسكري الصلب الجريء الذي لا يهادن ولا يجامل ، وهو الوحيد الذي رفض اتفاقية الطائف ، ودفع ثمنا باهظا. ولكن الثابت انه تعلم قواعد اللعبة السياسية في منفاه بباريس ، لأن « القائد المثالي هو الذي يجمع بين الصلابة والمرونة « ، وهي حكمة الفيلسوف الصيني « سون تزو» الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد.
الرئيس عون لم يطلق وعودا مستحيلة ، فهو لا يحمل عصا سحرية ، ولكنه يعرف ان كومة من الملفات الصعبة بانتظاره. والرئيس ، منذ اليوم ، لم يعد زعيم الاكثرية في الشارع المسيحي ، ولا رمز التيار الوطني الحر فحسب ، هو اليوم رئيس كل لبنان ، وهي مسؤولية كبرى في مرحلة تاريخية.
الجنرال عرف كيف يتعاطى مع التفاهمات المتناقضة التي اوصلته الى الرئاسة ، وأتقن التعامل مع العلاقات المعقدة في الداخل والخارج ، لذلك يتطلع اللبنانيون الى ما هو اكثر ، اولها تعديل قانون الانتخاب ، وتعديل الدستور ، واتفاق الطائف ، والميثاق الوطني غير المكتوب ، كخطوة على طريق بناء الدولة المدنية العصرية بلا محاصصة مذهبية ، لأن الأزمات ستعيد انتاج نفسها في كل موسم، في ظل استمرار الواقع.
كذلك ينتظر اللبنانيون ، اعادة الأمن والاستقرار، وترميم وتفعيل مؤسسات الدولة ، واعادة الحيوية للاقتصاد الوطني ، وحل المشكلات الإجتماعية ، ومحاربة الارهاب والفقر والبطالة والفساد ، وكلها ملفات صعبة ومعقدة ، لذلك من واجب الهيئات والقوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، تقديم الدعم والمساندة ، من أجل نجاح مهمة الرئيس عون ، وانقاذ لبنان العربي الجديد.
(الراي2016-11-03)