لمواجهة انهيار التعليم
ما يزال كثيرون ينظرون إلى تراجع العمليّة التعليميّة أمراً بسيطاً يحتمل التوظيف السياسيّ والاستغلال الشعبويّ. لكن لا يجوز أن تتقبّل الحكومة ذلك، أو أن تتراجع عن الخطط المستهدفة إصلاح التعليم مهما تفاقمت الضغوطات. فإصلاح ما أفسد الإهمال والاختراق الحزبيّ في العمليّة التعليميّة سبيلٌ وحيدٌ لإنقاذ مستقبل المملكة من التبعات الدماريّة لانتشار الجهل.
ففشل العمليّة التعليميّة سيعني فشل الدولة.
رغم عمق أزمتها، لم تنحدر العمليّة التعليميّة في المملكة إلى مرحلة الفشل الكامل بعد. لكنّها حتما تتدهور بوتيرةٍ تدقّ أجراس الخطر. لذلك لا بدّ أن يكون إصلاح التعليم، بمرحلتيه المدرسيّة والجامعيّة، أولويّةً مطلقة.
قبل أشهر، أطلقت جلالة الملكة رانيا الاستراتيجيّة الوطنيّة لتنمية الموارد البشريّة صرخةً لمواجهة الانهيار بجهدٍ غير مسبوق لتحقيق نتائج غير مسبوقة.
لا يبدو أنّ هذا الجهد غير المسبوق انطلق بعد. قامت وزارة التربية والتعليم ببعض الخطوات التي استهدفت معالجة عددٍ من نواحي القصور وإزالة بعض التشوّهات، ما عرّضها لحملةٍ غير منصفةٍ من الانتقادات. لكنّ تلك الخطوات لم تأتِ في سياق العمل الشامل الذي يتطلّبه إنقاذ العمليّة التعليميّة.
فإحداث تغييراتٍ في بعض الكتب المدرسيّة لا يمثّل تطويراً للمناهج. وحتّى تطوير المناهج لو تمّ، فإنّه سيكون قليل الفائدة إذا لم يكن المعلم كفؤاً ومؤهّلاً ومتمتّعاً بالحقوق التي تضمن له الاحترام والتقدير والعيش الكريم. ولن تكون العمليّة التعليميّة فاعلةً إذا لم تتمّ في بيئةٍ مدرسيّةٍ متطوّرةٍ جاذبة.
الحال، إذن، حرجة. فالمناهج ضعيفةٌ رتيبةٌ ومتخلّفٌ كثيرٌ منها عن روح العصر. كثيرون من خرّيجي المعاهد والجامعات صاروا معلّمين من دون الحدّ الأدنى من التأهيل. ويعاني مدرّسون، كثيرٌ منهم في القطاع الخاص، ظروفاً وظيفيّةً غير مقبولة، ما ينعكس سلباً على أدائهم الوظيفيّ. ثمّة اختراقٌ سياسيٌّ للعمليّة التعليميّة. ويُجبَر الألوف من الطلبة على الالتحاق بمدارس ذات بنيةٍ تحتيّةٍ مترهّلةٍ ومرافق غير مناسبةٍ تجعل من الساعات الطويلة التي يقضونها فيها عقاباً.
لا حاجة للمزيد من العمل على تحديد جوانب المشكلة. استراتيجيّة تنمية الموارد البشريّة تطرّقت إلى كلّ مواطن الخلل في العمليّة التعليميّة. هي شخّصت الأزمة بدقّة، واقترحت حلولاً علميّةً مدروسة.
"الجهد غير المسبوق" الذي تحتمه الضرورة لإصلاح التعليم يتأتّى عبر اعتماد خطّةٍ تنفيذيّةٍ جامعةٍ لهذه الاستراتيجية، فتطبَّق توصياتها وفق خريطة طريقٍ واضحةٍ لا تسمح بالتقاعس أو الاسترخاء أو الإهمال. فعل ذلك هو الحدّ الأدنى المتوقّع من مؤسسات الدولة في مواجهة خطرٍ بحجم خطر تدهور العمليّة التعليميّة.
لا جدل أنّ التصدّي لمشروعٍ بهذا الحجم يحتاج تكاتف جميع المؤسسات الرسميّة والخاصة. لكنّ إطلاق هذا الجهد وقيادته وضمان التزام شروط نجاحه مسؤوليّة الحكومة.
إن لم تكن الحكومة بدأت صياغة الخطّة الشاملة المطلوبة لإصلاح التعليم فعليها أن تفعل ذلك فوراً. وإن كانت بدأت، فإنّها تحتاج الإبقاء على التواصل مع المواطنين حولها لبناء تفهّمهم لضروراتها وأهدافها. فضمان إدراكٍ مجتمعيٍ لعمق المشكلة وخطورتها ضرورةٌ لكسب تأييد الناس لعملها، وللحؤول دون تكرار ما تبع عمليّة تعديل بعض الكتب المدرسيّة من لغطٍ ومزايدات.
(الغد2016-11-06)