جيل البغدادي القادم!

تم نشره الإثنين 07 تشرين الثّاني / نوفمبر 2016 12:04 صباحاً
جيل البغدادي القادم!
محمد ابو رمان

أكّدت المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان رافينا شامداساني، أنّ تنظيم داعش طلب من الأهالي في مدينة "حمام العليل" القريبة من الموصل، التي سيطرت عليها القوات العراقية مؤخراً، أن يسلموا أطفالهم، الذين تتجاوز أعمارهم التاسعة للتنظيم للمشاركة في القتال!

لو فرضنا أنّ هذه المعلومات غير دقيقة، وتأتي من باب الدعاية المضادة للتنظيم، فإنّها لا تختلف عن حقائق أخرى عديدة مرعبة، تحدثنا عنها سابقاً مراراً وتكراراً، مرتبطة بالأهمية الكبيرة التي يعطيها التنظيم للتنشئة والتربية للأطفال والمراهقين الصغار، ورهانه المستقبلي عليهم، لكي يحملوا "جرثومة" الأيديولوجية المتطرفة.

يخصص التنظيم أفلاما خاصة تتحدث عن "فتيان الخلافة"، وقام خلال الأعوام الماضية بدور كبير في التأثير عليهم أيديولوجيا وفكرياً، فضلاً عن التدريبات العسكرية، وعمل على تغيير المناهج الدراسية في المدارس وعقد دورات تدريبية خاصة لهم، ما يجعلنا إلى الآن غير متأكدين ولا قادرين على الحكم على حجم الأثر الواضح وبعيد المدى، الذي أحدثه التنظيم على جيل كامل من الصغار والفتيان والمراهقين في المناطق التي يسيطر عليها، أو من أبناء الأعضاء الملتزمين معه، وهم بالآلاف.

المسألة، إذاً، تتجاوز القلق من تجنيد التنظيم لعدد كبير من الفتيان، يمكن – بل على الأغلب- أن يشاركوا في معاركه القادمة، في الموصل أو في الرقة والمناطق الأخرى، وهذا بحدّ ذاته كارثة إنسانية حقيقية، سواء لمن سيقتل منهم، أو يُعتقل، أو أي مصير بعد ذلك يتطلب علاجاً نفسياً نوعياً خاصة، وإعادة تأهيل ثقافية واجتماعية وفكرية.

المعضلة أو الكارثة الكبيرة لا تقف عند هذا المستوى؛ أي الأطفال الذين يجنّدهم تنظيم داعش، بل تتجاوز ذلك إلى الظروف المحيطة بمئات الآلاف من الأطفال السوريين والعراقيين، الكفيلة بخلق جيل غاضب محبط ساخط، ذاق الويلات، جيل الانتقام، أو الجيل الحقيقي البغدادي القادم.

بدلاً من التفكير في عملية إعادة التأهيل لهؤلاء الأطفال والشبان، في المدن التي تحررت من تنظيم داعش، يجدون أنفسهم أمام ميليشيات الحشد الشعبي، في ظروف إنسانية قاسية، إما أنّهم يتعرضون لاختبارات نفسية وجسدية وتعذيب، كما تثبت العديد من الوثائق والشهادات والفيديوهات التي شاهدناها، في تعامل الميليشيات مع الأطفال، أو أنّهم يرون ذويهم من سكان تلك المدن، في حالة مزرية من الخوف والإذلال وانتظار المصير المجهول إلى حين التأكد من عدم علاقتهم بداعش، أو رأفة قائد الميليشيات الطائفية بهم، فمثل هذا المشهد كفيل بحدّ ذاته أن يعيد تشكيل وصوغ نفسية أولئك الأطفال ونظرتهم لأنفسهم والآخر والعالم من حولهم!

زد إلى هذا الجيل من عشرات الآلاف من الأطفال والفتيان العراقيين مئات الألوف من الأطفال السوريين في المخيمات في دول الجوار، أو في الحصار في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، تحت القصف والقتل، أو المخيمات التي تقع على الحدود، مثل الركبان والحدلات، وبعضهم أصبح له بطبيعة الحال أعوام عديدة في هذه الظروف، أي أنّ المخيمات والظروف الإنسانية القهرية هذه أصبحت هي بيئتهم المحيطة، التي تشكل ثقافتهم الشعورية والمعرفية.

كل ذلك إذا استثنينا ما تسميه الدراسات الجديدة بـ"الجيل غير المرئي"، في المخيمات، الذين لا يمتلكون وثائق تثبت ولادتهم في المخيمات، أو الأجيال التي انقطعت عن التعليم والدراسة، وتشير النسب في الأردن إلى ارتفاع كبير في أعداد الأطفال السوريين المتسربين من المدارس لإعالة أسرهم؟

بالطبع لم نتحدث بعد عن اليمنيين والصوماليين وباقي المناطق المحيطة. القصة ليست فقط في الأطفال الذين يجندهم داعش ويستخدمهم في الحرب، بل في الجيل القادم نفسه، بل هو السيسيولوجيا العربية نفسها الكفيلة بإنتاج جيل قادم مرعب!

(الغد2016-11-07)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات