ما هي الخيارات الحقيقية للحكومة؟
كل المؤشرات تقول إن المقبل أصعب بالنسبة للاقتصاد؛ لن نتمكن من خفض المديونية، ولا زيادة النمو، ولا تقليص البطالة، ولا تحسين مستوى المعيشة، بل المرجح هو العكس، فنحن مهددون بالأسوأ لأن الحكومة، وفق التزاماتها، مضطرة لضبط الإنفاق وتقليص الدعم ورفع الأسعار. وليس واقعيا الآن انتظار فزعة خليجية، وخصوصا من السعودية التي تمر بأسوأ الأوضاع المالية، بل أيضا العكس؛ فالمتوقع تراجع حوالات العاملين الأردنيين هناك، وفقدان الآلاف لوظائفهم على وقع الأزمة الخانقة في السعودية ودول الخليج الأخرى.
كما هو معلوم، خطاب العرش الموجز للغاية ترك للحكومة أن تقدم بيانها المطول للثقة. وانتظرنا بفضول البيان الوزاري ليقول لنا كيف تفكر الحكومة في مواجهة الموقف الخطير المقبل. ويجب أن أقول إننا لم نحصل على إجابة شافية.
البيان قام بمداراة موضوع الإصلاح السياسي الذي لا جديد بشأنه، بإحالتنا إلى الأوراق النقاشية لجلالة الملك. وهذا مفهوم؛ فالتحدي الضاغط الآن هو الاقتصاد، ولا شيء غير الاقتصاد.
والبيان الوزاري جاء مفصلا بشأن الاقتصاد، وعرج على كل محور وكل مشكلة؛ مشخصا الوضع وموضحا ماذ يريد، وما هو الهدف. لكنه امتنع كل مرة عن الإجابة عن سؤال "كيف؟". وكمثال واحد، تحدث رئيس الوزراء عن الهدر والفساد في الدعم الذي يذهب 50 % منه لغير مستحقيه، مؤكدا نية الحكومة العمل على وصول الدعم لمستحقيه فقط! كيف؟ البيان لا يجيب.
مقولة إيصال الدعم لمستحقيه ليست جديدة، لكن الحكومة السابقة عجزت عن حسم أمرها واتخاذ القرار. والجميع يعلم أن هناك آلية واحدة حتى لا يبقى دعم السلع مصدرا للفساد والإثراء غير المشروع ويشمل كل المقيمين على الأرض الأردنية وكل المواطنين بغض النظر عن مستوى الدخول، وهي (الآلية) إلغاء الدعم عن السلع وتحويله إلى دفع مباشر للمواطنين. وكانت الحكومة السابقة قد لوحت بخيار البطاقة الذكية. وأنا لا أجزم بما ستفعله هذه الحكومة بشأن هذا الموضوع، ولعلها تفكر بالطريقة التقليدية إياها؛ أن تترك كل شيء لوقته، فهي قد تقدم أو لا تقدم على هذا الخيار وفق مقتضى الحال.
ويمكن أن أضرب أمثلة في كل قطاع على تجنب الحكومة توضيح خياراتها. وهي، كما حصل دائما، تفكر في وضع أو تعديل التشريعات في هذا المجال أو ذاك، مع أن لدينا تخمة من التشريعات التي لا تغير على أرض الواقع شيئا، كما في موضوع الاستثمار. وها نحن نقرأ أحد استخلاصات صندوق النقد الدولي الذي يقول إن نظام الإعفاءات الضريبية لم يكن ذا أثر في تشجيع الاستثمار. وبشأن الضريبة، لا توضح الحكومة ماذا تريد بالضبط، أو ما هي الفلسفة التي ستقودها؛ وحسب ما فهمنا، فإن التوجه هو خفض سقف ضريبة المبيعات من 16 إلى 12 %، وتعويضه بالمقابل برفع الضريبة على السلع المعفاة، أو ذات الضريبة المخفضة، لتصبح 12 %. لكن البيان الوزاري يشير إلى إصلاح ضريبي من دون أن يقول كيف، وبأي اتجاه، وهذا يشمل ضريبة الدخل التي كان مجلس الأمة السابق قد عدل قانونها، ونعرف أنه لم يكن مرضيا للحكومة (وأنا أعتبر أيضا أن مخرجاته جاءت عشوائية غير محكومة برؤية معينة، وهو لم يحل أي مشكلة). والحكومة الحالية لا تقول أيضا ما الذي تريده بالضبط.
نتفق مع الحكومة بشأن التشخيص والأهداف؛ ونتفق أن لدينا كل ما نحتاج من الخطط والاستراتيجيات. لكن البيان الوزاري تجنب إعلان خيارات محددة في أي عمل. وهذا مناسب لبيان ثقة نيابية على الطريقة الأردنية.
(الغد 2016-11-18)