العيب السياسي الكبير
لم تتجاوز ردود أفعال الأردنيين على أحداث العنف الطلابي في الجامعة الأردنية، الأسبوع الماضي، التعبير عن الانزعاج بكلمة "عيب". حدث ذلك بينما كان الفضاء السياسي الوطني منشغلا بالخطابات الرنانة والإنشاء السياسي في مناقشة البرلمان للبيان الحكومي، حيث حصلت الحكومة على ثقة النواب قبيل منتصف الليل، فيما كان معظم الأردنيين نياما!
تعود من جديد ظاهرة العنف الطلابي لتضرب عمق المجتمع، وهذه المرة في أعرق الجامعات. وعلى الرغم من قسوة أحداث الجامعة الأردنية وما حملته من تعبيرات شاذة واستقطات جهوي مرفوض، فإن ما حدث لم يحرك الكثير من هواجسنا، ولم يوقظ الجهاز العصبي للمجتمع أو الدولة، حتى بدا وكأن المجتمع قد تطبع على هذه الظواهر. فطوال عقد مضى، صدرت عشرات التقارير والدراسات والاستراتيجيات التي تناولت العنف الطلابي وأشبعته تحليلا، أكثر من نصفها قد لا يساوي الحبر الذي كُتبت به، بينما الوصفة البسيطة تتمثل بثلاث مفردات تضمن استعادة الجامعات لمكانتها، وهي: نوعية التعليم، والاستقلالية، وتطبيق القانون وإنفاذه على الجميع؛ لا أكثر من ذلك ولا أقل.
صحيح أن العنف الطلابي تراجع خلال آخر عامين. لكنه تراجع سطحي لم يصل إلى العمق؛ فلا يوجد لدينا دليل يعتد به على إجراءات اتخذت، أو تحولات عميقة شهدها هذا الملف، فقد فُعّلت الأنظمة والتعليمات بصرامة في حوادث عنف، وتم التراخي في حوادث أخرى.
العيب السياسي الكبير يتمثل بأن إنفاذ القانون ما يزال يدور في الإنشاء السياسي ولم يصل إلى الوقائع. نطبّع مع العنف والفوضى ولم نطبّع مع القانون، ولم نجعله سلوكا يقبله المجتمع والأفراد من دون سؤال وضغوطات، ومن دون تدخلات المتنفذين وعبثهم. كلنا نتذكر أحداث العنف في إحدى جامعات الجنوب في العام 2013، والتي صدمت المجتمع وذهب ضحيتها أربعة شباب. وإلى هذا الوقت لا أحد يدري هل تم إجراء تحقيقات مستقلة بتلك الأحداث، وهل اتخذت إجراءت رادعة حيال الأسباب والخلفيات التي تسببت بها.
وعلى الرغم من التنميط الذي يصيب المرء بالصداع عند الحديث حول هذه الظاهرة، فإننا لم نتوقف جديا عند الجذور الحقيقية التي تقف خلفها، والمرتبطة بكل بساطة بنوعية التعليم الجامعي، وما ناله خلال عقد مضى من تراجع وإسفاف جعل من طلبة الجامعات، عموماً، كائنات هلامية تعاني من أوقات فراغ هائلة؛ طلبة لا توجد قضية حقيقية لديهم، ولا يوجد لديهم انشغال بالحد الأدنى على نيل المعرفة، ما حوّل الجامعات إلى ساحات لتفريغ وتوليد تناقضات يمكن أن يحمل عليها أي شيء وحسب الطلب.
كنا قبل سنوات نتحدث عن سياسات القبول، وعن ازدحام الجامعات بأعداد كبيرة من الطلبة يتم قبولهم على خلفية أزمة الموارد التي تعاني منها معظم الجامعات. وخلال آخر عامين، حدثت إزاحة مهمة في أعداد الطلبة، ونشهد حاليا بداية إصلاحات في أنظمة قبول الطلبة، ومع هذا يعود العنف الطلابي ليطل من جديد، ليقول لنا إن هذا لا يكفي.
اليوم، لدينا خطة متكاملة لإصلاح سياسات الموارد البشرية. ومن المفترض أن ثمة إرادة سياسية قوية تقف خلفها. فلا ينقصنا إلا إرادة صارمة في تطبيق القانون والنظام، لكي يعمل من أجل الجميع؛ وقليل من الشفافية لكي يكون الرأي العام على دراية بمن يقف خلف العنف الطلابي ومن يغذيه في كل مرة ممن لا يريد أن ينطلق إصلاح الجامعات.
نأسف كثيرا لما حدث في الجامعة الأردنية، خصوصا أنه يحدث بوجود إدارة توصف بالكفاءة، جاءت من داخل البيت الجامعي. ونأسف أكثر أن يحدث ذلك ونحن ننتظر انطلاقة قوية لسياسات إصلاح التعليم العالي، ما يجعلنا نتساءل عن المساحة الرمادية والغامضة التي تدفع دوما بكل هذه الفوضى والبشاعة إلى ساحات الجامعات.
(الغد 2016-11-26)