«حكومتان» في صنعاء وعدن.. اليمن إلى أين؟
حَدَثَ ما كان متوقعا، بعد ان أفشَل الرئيس «الشرعي» عبدربه منصور هادي «خريطة الطريق» التي اعلنها المبعوث الدولي اسماعيل ولد الشيخ وقَبِلَ بها «الانقلابيون», رغم الملاحظات التي وضعوها على بعض النقاط فيها، الا ان الرئيس الشرعي الى جانب رفضها, لم يستقبِل ولد الشيخ لِيُسلّمه نسخة منها, بل واصل التمسُّك بمقولة انه الرئيس الشرعي, بعد ان تسرّب له ان «الخريطة» تجعله بلا صلاحيات، حيث ستؤول الى نائب «جديد» له (ليس علي محسن الاحمر الذي سيُطاح) يتم التوافق عليه بين طرفي الازمة.
الانقلابيون (كما يحلو لخصومهم ان يصفوهم) بعد ان شكّلوا المجلس الرئاسي مناصفة بينهم (انصار الله وحزب المؤتمر) اعلنوا عن حكومة جديدة سمّوها «حكومة الانقاذ الوطني», اقتسموا حقائبها ايضا بعد نحو من شهرين على تكليف محافظ عدن السابق عبد العزيز بن حبتور تشكيلها. هذه المهمة التي تعثّرت بعد نشوب خلافات بينهما حول الحقائب والاسماء, الى ان توافقوا اخيرا وتم الاعلان عنها، ما اثار ردود فعل غاضبة واخرى منتقدة وثالثة ترى فيها «انتكاسة للسلام» تماما كما كانت الحال عندما تم الاعلان عن قيام «المجلس الرئاسي».
الحوثيون وحزب صالح برّروا لجوءهم خياراً كهذا, بانه جاء بهدف ترتيب الاوضاع الداخلية ومواجهة (العدوان) اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. ما يعني انهم مستمرون في المواجهة ولانهم يلعبون السياسة بطريقة تبدو اكثر ذكاء وحنكة من المعسكر الاخر الذي يقوده هادي, والذي ما يزال يتمسك بـ(ثلاثيته) المعروفة, كشرط يجب على «الانقلابيين» تنفيذه فانهم (الانقلابيون) اقاموا الحجة في تفسير إقدامهم على اعلان حكومة الانقاذ بسبب «تعنت العدو ومرتزقته عن المضي في اطار الحل الوطني, الذي يقوم على اساس الشراكة الوطنية وتجنيب البلاد المزيد من الدماء والدمار»....وفق بيانهم المُعلَن.
هم إذاً... لا يُغلِقون الباب امام اي جهد سياسي، بل كانوا تعاطوا بايجابية لافتة مع طروحات المبعوث الدولي الاخيرة, رغم اتهامهم له في مرحلة سابقة بانه «دمية في يد المعسكر الآخر», ولم يُمانعوا في الالتقاء بجون كيري الذي اجتمع بوفد منهم في مسقط, الامر الذي اثار حفيظة فريق الرئيس «الشرعي» وعتبه، لكن أحداً لم يُعِر هذا الغضب اهمية، رغم ان مشروع» كيري هو الآخر، لم يرَ النور وتم اسدال الستار عليه, لاسباب عديدة ليس اقلها ان واشنطن لم تعد تملك الرغبة (وربما القدرة) على ممارسة ضغوط كافية, لزحزحة الاطراف التي «تمون» عليها, لإبداء اي نوع من المرونة او التنازلات.
فهل ثمة فرصة لاستمرار جهود «السلام»؟.
الأجواء السائدة الآن وخصوصاً بعد اعلان حكومة الانقاذ الوطني في صنعاء، لا تدعو للتفاؤل، رغم ان ولد الشيخ لم يفقد حماسته بعد، بل هو صرّح انه «يستعد لعقد جولة جديدة من المشاورات بين الاطراف اليمنية، وانه سيتوّجه الى (الكويت) في اطار التحضيرات لمشاورات تستمر بين اسبوع الى عشرة ايام, تنتهي بالتوقيع على اتفاق (نهائي) للسلام في البلاد».
ردّ الكويت لم يتأخر، وخصوصا ان العاصمة الكويتية واميرها, بذلا جهوداً مكثفة ودؤوبة من اجل تقريب وجهات النظر، إلاّ ان الفشل كان حليف جولتي المفاوضات «الاولى» (من نيسان حتى نهاية حزيران) و»الثانية» (من منتصف تموز الى نهاية الاسبوع الاول من آب الماضي).. ردّ الكويت جاء رافضا «ضمنياً» لاستقبال مشاورات كهذه, عندما قال نائب وزير الخارجية:»ان بلاده مستعدة, لاستقبال الاطراف اليمنية,(فقط) للتوقيع على اتفاق وليس للتشاور».
الابواب إذاً مُغلَقة والرئيس «الشرعي» ما يزال في عدن, الذي قيل انه قصدها «هرباً» من الضغوط التي تمارس عليه لقبول خريطة الطريق (الأممية) في وقت تتفاقم الازمات في المدينة الجنوبية التي اتخذها عاصمة «مؤقتة» لحكومة، ان لجهة انعدام الامن فيها وسيادة الفوضى, ام لجهة عجز «حكومته» عن دفع رواتب اتباعها, رغم انه قام بنقل البنك المركزي اليمني من صنعاء الى عدن، ظنّاً منه, انهم بذلك يُجبِرون «الانقلابيين» على الركوع, ويُسرِّع بتمرّد الموظفين والجيش عليهم, لانعدام قدرتهم على دفع الرواتب لهم.
لكن...ثمة فرصة قد تكون سانحة اذا ما سارت الامور وفق ما يتمنى ولد الشيخ حدوثه, بالإتكاء على اعادة تفعيل «لجنة التهدئة والتنسيق» التي تم تشكيلها بين الجانبين السعودي واليمني (الحوثيون وصالح) واعلانها وقفاً لاطلاق النار في المنطقة الحدودية المشتركة بينهما، وما رشح عن ولد الشيخ بان الحوثيين وصالح وافقوا على المشاركة في هذه اللجنة, والذهاب مباشرة الى ظهران الجنوب السعودية, من اجل دعم عملية وقف اطلاق النار بصورة فعلية حقيقية.
في السطر الأخير تتواصل مأساة اليمنيين والكارثة التي لحقت بالشعب اليمني الذي تقترب غالبيته من حدود المجاعة وتفشي الامراض السارية بسبب نقص الغذاء والدواء، فيما يتلهّى «الوسطاء» بأمور سخيفة ويصرفون انظارهم عن نكبة اخرى ستحل في هذا البلد العربي، الذي تم تمزيقه وتدميره, دون ان تستدعي الجرائم المرتكبة بحق ابنائه في مدنه كافة شمالية ام جنوبية، اي جهد او مسؤولية حقيقية.
الأسوأ ان فريق هادي, سيُواصِل الحديث عن «الشرعية» التي يتمتع بها وان حكومته تحظى بالاعتراف «الدولي», دون ان يستخلص العبرة مما يحدث في ليبيا وكذبة «الشرعية» التي يمارسها بـِ»كفاءة», ما يُسمى «المجتمع الدولي».
(الراي 2016-11-30)