العنف الجامعي بما هو إساءة إلى المقدسات
![العنف الجامعي بما هو إساءة إلى المقدسات العنف الجامعي بما هو إساءة إلى المقدسات](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/0be8ededea5d329e79cc00fdf364b15b.jpg)
من نحن بلا مدارس وجامعات مقدسة، وأساتذة مكرمين، وطلبة ملتزمين؟
ما حدث في الجامعة الأردنية الأسبوع الماضي؛ من شجار وعنف، وما حدث ويحدث في مدارسنا وجامعاتنا عموماً من إساءات إلى المؤسسات التعليمية والأساتذة والقائمين على التعليم، يحتاج إلى وقفة مراجعة طويلة وحزينة أيضا. فالعلم على مدى التاريخ، عمل جليل ورسالة مقدسة لا يجوز التهاون أو التفريط في قدسيتها وقدرها العظيم، ولكنها في الأردن تعني لنا أكثر من ذلك بكثير؛ فالتعليم هو رأسمالنا الأساسي. ليس لنا في هذا العالم الذي لا يرحم، إلا كفاءاتنا المعرفية، ولا بقاء لنا تحت الشمس إلا بالمعرفة والمهارات والقدرة على العمل والإضافة إلى أسواق تتنافس فيها الكفاءات من جميع أنحاء العالم. كيف نكسب رزقنا من غير نفط ولا أنهار ولا موارد طبيعية؟ ماذا نفعل بجموع الشباب الذين تسبقهم سمعتهم بأنهم لم يعودوا يتعلمون جيدا؟ ومن يريد شبابا غير قادرين على التفاهم والسلوك الاجتماعي السلمي، فضلا عن عجزهم عن امتلاك المهارات المعرفية والتقنية في عالم متغير بسرعة، وبتدفق معرفي ومهني وتقني يجعل كل من يغفل لحظة عن مواكبة المعرفة المتدفقة والمتغيرة، بلا مكان ولا عمل ولا كيان... يصبح لا شيء!
لحسن الحظ أن التعليم تمرُّد، ولا تعليم بلا تمرّد؛ لأن التعليم ليس معلومات تتدفق وتحل في المتعلمين، وإنما عملية تغيير وتغير. وإذا لم يحز المتعلمون والمعلمون وعيا واضحا بالتغير المطلوب، وإرادة كافية لتحقيقه، يتحول أفضل الطلبة والمعلمين إلى وعاء معرفي ضحل، يتفوق عليه قرص "سي. دي" بأضعاف مضاعفة. وبذلك، فإن أمام الشباب فرصة كبرى لممارسة التمرد وتوظيف هذه الطاقة الكامنة في تحدي أنفسهم ومؤسساتهم وأساتذتهم لأجل الإبداع. إذ بعد سنوات قليلة، سيكون ثلثا الوظائف القائمة اليوم ليس موجودا. ولا أمل لنا إلا في شباب مبدع قادر على أن يبحث عن مكان، وأن يضيف إلى نفسه ومجتمعه والعالم، وأن يشارك في العالم المتداخل والمعتمد على بعضه بعضا؛ يقبله ويتقبله... لا إبداع بلا تمرّد.
حسنا فعلت الجامعة الأردنية، ممثلة برئيسها الدكتور عزمي محافظة ومجلس أمنائها ومجلس عمدائها، بالتأكيد على فصل كل طالب يثبت التحقيق مشاركته في العنف والشجار، وعدم الرضوخ للضغوط والوساطات، وأن ما يجري خارج الجامعة من محاولات اجتماعية وقانونية، على ضرورتها وأهميتها، هي إجراءات ومبادرات مستقلة لاستيعاب التداعيات والآثار الاجتماعية والقانونية الممتدة إلى خارج الجامعة، ولكنها لا تؤثر على مسار الإجراءات الجامعية المتبعة حسب القوانين والأنظمة. وذلك لأجل الطلبة المتورطين أنفسهم، ولأجل مستقبلنا جميعا. فالعقوبات فرصة للمخطئين ليعيدوا النظر في سلوكهم، وليبحثوا قبل فوات الأوان عن المسار الذي يحميهم من الفشل والضياع، إذ ليس الهدف -كما قال الدكتور محافظة- التخويف والتهديد، فجميع أبنائنا الطلبة يعزون علينا ونتمنى أن يكونوا أفضل منا وأن ينجزوا ما لم نستطع فعله، ولكننا نلجأ أحيانا إلى خيارات صعبة وقاسية علينا جميعا. فحرمان طالب واحد يصيبنا جميعا بالحزن والألم، ولكننا لا نملك سوى هذا الدواء المرّ.
(الغد 2016-11-30)