الديمقراطية... التداول السلمي للسلطة وحكم الأكثرية
يمكن تعريف الديمقراطية اصطلاحا على أنها شكل من أشكال الحكم السياسي قائم بالإجمال على التداول السلمي للسلطة وحكم الأكثرية, أما لغة: فالديمقراطية كلمة مركبة من كلمتين الأولى مشتقه من الكلمة اليونانية Demos وتعني عامة الناس والثانية Kratia وتعني حكم وبهذا تكون الديمقراطية Demoacratia تعني حكم الشعب أو حكم الشعب لنفسه.
فترسيخ الديمقراطية السياسية في المجتمع مطلباً ضرورياً وهاماً لاستقرار البلد وتطوير نظامه السياسي والاجتماعي الاقتصادي من جهة أولى، وهي نتاج كفاح الجماعات والطبقات العاملة التي استطاعت أن تؤسس إعلان حقوق الإنسان العالمي لسنة 1948, الذي كفل الحريات والحقوق العامة في التشريع والمساهمة في إدارة الحكم في ظل العدالة القانونية والمساواة السياسية من جهة ثانية والديمقراطية السياسية تنتج برلمان منتخب بواسطة الشعب الذي يمثل الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية, ومدى احترامها للحريات العامة وتحقيق المساواة السياسية والاجتماعية في المجتمع من جهة ثالثة، والنظام الديمقراطي السياسي يهدف إلى مساهمة اكبر عدد من الأفراد في الحكم بطريقة ديمقراطية مباشرة أو غير مباشرة من جهة رابعة، وقد تحولت الديمقراطية من مبدأ الفلسفة إلى التطبيق بعد أن نصت المادة الثالثة من إعلان حقوق الإنسان على "مبدأ سيادة الأمة"، وبذلك خرج المبدأ الديمقراطي السياسي من النطاق النظري إلى النطاق العملي من جهة أخيرة.
فخصائص النظام الديمقراطي تتخلص بما يلي :
- ترسيخ مبدأ المشروعية, أي أن السلطات والمواطنين يحترمون القانون الأساسي ويرجعون إلى الفضاء لحل الخلافات.
- تصان الحريات العامة للمجتمع, منها ( حرية التعبير والعقيدة وحرية الاجتماع والصحافة ).
- ينتخب الشعب ممثليه عن طريق انتخابات عامة.
- ضمان عدم الجمع بين السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية و القضائية).
- تصان حقوق المعارضة .
أن الديمقراطية ليست شعاراً نتباهى به بل ثقافة أولاً وقبل كل شيء, تمكن الشعب في فهم أسسها ومبادئها على حقيقتها, ثم ممارستها, لان الفهم الذي لا تليه ممارسة لا يخدم الديمقراطية ولا يعمل على نجاحها. الوعي يتطلب تربية وخبرة, وربما نجاح النظام الديمقراطي عند الدول المتقدمة وفشله عند الدول المتخلفة يدلان على الخبرة والتجربة الطويلة التي اكتسبها الأولى في الميدان.
وغياب التجربة, أو قصر عمرها عند الثانية . التربية تتمثل في غرس الفضيلة في صدور الأطفال, المتمثلة في حب الوطن واحترام القانون. أذا كانت الديمقراطية تمنح الإفراد حق التعبير عن الرأي وممارسة السياسية فانه يجب أن تعلمهم حب الوطن واحترام قوانينه, الردع الوحيد الذي يحميها من الانزلاق نحو صراعات تفوت المصلحة الخاصة قبل العامة, وحب النفس قبل الوطن .
وعلى ضوء ما ذكر أعلاه, فان الديمقراطية الحديثة ليست عقيدة تنافس غيرها من العقائد أو الأديان. كما إنها ليست مجرد آلية لأية عقيدة, وإنما هي منهج ونظام حكم يتأثر مضمونه بالضرورة, باختيارات المجتمعات التي تطبق الديمقراطية فيها . ولهذا أصبح من الممكن للديمقراطية إن تقبل في مجتمعات تختلف فيها العقائد والأديان والمذاهب. لذا , فان الأحزاب والتنظيمات والحركات بحكم التعريف العلمي هي منظمات تسعى للوصل إلى السلطة, بل ومن المحتمل وصول أي منها للحكم .
ولهذا فإذا لم تكن تمارس الديمقراطية وتتداول السلطة داخلها وفيما بينها ولا تعكس عضويتها تنوعا مقبولا وطنيا, فان نظام الحكم لن يكون ديمقراطيا, ويصعب استمرار تداول السلطة سلميا فيه عندما يكون التداول من النقيض إلى النقيض المتربص به . من هنا فان ممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب وفي منظمات المجتمع المدني وفيما بينها, وتركيبة العضوية فيها, تمثل مقومات رئيسية من مقومات نظام الحكم الديمقراطي .فهذه هي الديمقراطية في المجتمع, وهذه هي الأساس للديمقراطية في الدولة أو الضمانة لسلامة الممارسة.