عام 2017: مراجعات صادمة
هناك العديد من المؤشرات الدالة على أن العام 2017 القادم سيكون عام المراجعات الصادمة؛ أي المراجعة النقدية لقناعات ساد بعضها لعقود أو سنوات، وعلى مستويات متعددة قد تنال السياسة الدولية وبنية التحالفات ما قد يؤسس لنظام دولي جديد على مدى السنوات القادمة، وعلى مستوى النزعة الشعوبية الجديدة، وبنية الأمن وآليات عمل الأجهزة الاستخبارية، ومراجعة أخرى قد تهز القناعات بشأن التكنولوجيا وما يرتبط منها بالاتصال وما يسمى بالحتمية التكنولوجية وقد نغير مفهومنا للطبقة الوسطى، هذه المراجعات سوف تقود إلى سلسلة فرعية أخرى من الهزات الارتدادية وبعضها سيضرب في العمق، لقد زرعت بذور هذه المراجعات في السنوات الثلاث الأخيرة ولكنها نضجت بدرجات متفاوتة هذا العام، واهمها:
أولا: بنية جديدة للسياسة الدولية، ليس بسبب صعود نخبة سياسية جديدة إلى البيت الابيض في الولايات المتحدة، بل ثمة إشارات في السنوات الأخيرة دالة على حاجة الولايات المتحدة إلى مراجعة الكلف التي تدفعها منذ نهاية الحرب العالمية لضمان استمرارية وضبط النظام الدولي، هذه الحاجة تجد اللحظة التاريخية الملائمة في الزمن الجمهوري الجديد. المراجعة القادمة من المحتمل أن تقلل احتكاك الولايات المتحدة ببؤر الصراع الدولي وتؤدي لانسحاب قاس من منظومة أمن الحلفاء وإلى التوافق الهش في القيادة العالمية التي سوف يتسع فيها المكان لأكثر من لاعب، وبالتالي إعادة بناء التحالفات الدولية وفق خرائط جديدة تقوم على تحويل النظام الدولي الى نظام تجارة واستثمار اكثر من كونه سياسة وصراعات وتفاعلات استراتيجية.
ثانيا: ضمور العولمة وصعود الشعوبية الجديدة، مؤشرات اضمحلال لاتجاهات العولمة تعود إلى أكثر من عقد سواء في اتجاهات التجارة الدولية وما لاحقها من قيود وانسحابات وصولا إلى الثقافة وما لحق بفكرة المواطنة العالمية من سخرية، ومع هذا بات في حكم المؤكد أن صورة العولمة التي سادت في أواسط التسعينيات من القرن الماضي قد انتهت، في الوقت الذي يتوالى صعود التيارات القومية – الشعبوية الجديدة التي أخذت تتصاعد هذا العام بشكل صادم ممزوجة بنبرة يمينية محافظة تضرب اوروبا وجهات أخرى من العالم، ليس "البريكسيت" وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلا أحد تجلياتها وصولا إلى رفض الإيطاليين مؤحرا التصويت لصالح إصلاحات جديدة. وحسب فرانسيس فوكوياما "أن عصرا جديدا من القومية الشعبوية يصعد، يتعرض فيه النظام الليبرالي الذي أخذ في التشكل منذ خمسينيات القرن العشرين للهجوم من قبل الأغلبيات الديمقراطية الغاضبة والمفعمة بالطاقة والحيوية".
ثالثا: منظومات الأمن تخضع للانكشاف والمراجعة: ازدادت المناقشات الخافتة للأخطاء والانكشاف الذي بدا على أداء منظومات الأمن والعمل الاستخباري في السنوات الاخيرة وفي المقدمة فشلها في احتواء ظاهرة الإرهاب العالمي، وانكشاف العديد من ملفات التزييف في عمل هذه المنظومات ما يجعل هذه المنظومات على طاولة المراجعات. ألم يستخف فريق الرئيس الأميركي الجديد من أعمال هذه المؤسسات ولم يتوقف عن التذكير بتقاريرها حول امتلاك صدام حسين أسلحة استراتيجية؟
رابعا: ثقة أقل بالتكنولوجيا والإعلام: مراجعة من نوع آخر بات يدور رحاها وسوف تنضج أكثر في العام القادم، ميدانها تكنولوجيا المعلومات ووسائل الإعلام الجديدة والتقليدية معا، فقد برز العديد من المؤشرات التي تقود إلى الانسحاب من القناعات الكبيرة التي قادت اليقين بالحتمية التكنولوجية في تغيير نوعية الحياة على الأرض. اليوم هناك تململ عالمي من حجم ما تثيره شبكات الإعلام الاجتماعي من فوضى وأكاذييب وتضليل وباتت الشركات المتحكمة بهذه الشبكات تبحث عن حلول، فيما تعمقت أزمة وسائل الإعلام المحترفة على الصعيدين المهني والأخلاقي بعد الانتخابات الأميركية أكثر من أي وقت مضى.
خامسا: طبقة وسطى جديدة: ما يحدث من صعود للقومية والشعوبيات الجديدة والاستهلاك المفرط للتكنولوجيا والميديا الجديدة وعلاقة كل ذلك ببروز أنماط جديدة من التعبيرات السياسية التي تأتي بها الصناديق وأدوات الديمقراطية يدعو كل ذلك إلى إعادة تعريف الطبقة الوسطى والاتجاهات الجديدة في العالم. لاحظوا كيف تصعد شعبية الرئيس الروسي فلاديمير بوتن خارج العاصمة في أوساط الطبقة الوسطى الدنيا، وفي نسخة أخرى يتكرر الأمر مع الرئيس التركي طيب رجب إردوغان، الذي يحظى بدعم قاعدة شعبية واسعة في أوساط الطبقة المتوسطة الدنيا المحافظة، وهذا سوف ينسحب على موجة جديدة من الزعامات الجديدة.
(الغد2016-12-11)