التلقيح ضد التطرّف
الثقافة التنويرية المضادة للتطرف ليست نظرية فقط، او مجرد وصفات يقدمها اخصائيون في علمَيْ النفس والاجتماع، انها في العمق امصالا ولقاحات كتلك التي تركت اثارها من الطفولة على ايدينا، وقد يكون التطرف اشد فتكا وبائيا من السلّ والجدري والكوليرا وكل الاوبئة التي كنا نتلقح ضدها في المدارس …
الامصال الثقافية والتلقيح التربوي ضد التطرف لايتم بالحقن ولا يترك اثرا على الكتف او الذراع لأنه يتسلل الى الدماغ، ويحصن الوعي ضد الاستلاب والتجريف وسائر الاساليب التي يمارسها متعهدو بث ثقافة الموت تحت مختلف العناوين والذرائع التي يتم تلفيقها بمعزل عن اي اصول او مرجعيات .
التطرف الان اصبح وبائيا في انتشاره وسرعة عدواه، لهذا لا بد من التلقيح النفسي والتربوي ضده، ليس فقط لأن درهم الوقاية خير من قناطير او اطنان من العلاج، بل لأن فيروس التطرف يجد فرصته ليقفز برشاقة في البيئات الثقافية والاجتماعية الاقل مناعة، والتي يتدنى فيها منسوب الوعي بحيث يصبح اصطياد الضحايا سهلا وبأي طُعم رخيص .
والقول المتكرر بأن الارهاب تعولم وعبر الحدود والاجناس يفرض بالضرورة عولمة مضادة وعابرة للحدود لمقاومته، فهو لم يعد مَوْضعيا، وشمل بنك اهدافه الطفل ودار العبادة والمتحف والمدرسة وهو بذلك حرب شاملة ضد كل ما هو حضاري وانساني ..
الان لا يملك اي كائن في هذا الكوكب رفاهية الاختيار بين موقف وآخر ازاء التطرف وثقافته السوداء، وهي ثقافة تتمدد وتشحذ مخالبها بتسارع يقتضي تسارعا مماثلا على الاقل، وما يبدو من الارهاب على السطح ليس سوى طفح جلدي ودمامل متقيحة اما العطب والخلل فهو في الدم الفاسد الذي يفرزه ، لهذا ينبغي ان تكون محاربته على ثلاث جهات، امنية مباشرة وتربية وقائية اضافة الى البحث عن جذوره في فقه سادي ملفّق لا علاقة له بأرض او سماء !!
(الدستور 2016-12-20)