مسيحي عراقي يروي رحلة الهروب من ‘‘داعش‘‘

تم نشره السبت 24 كانون الأوّل / ديسمبر 2016 11:15 مساءً
مسيحي عراقي يروي رحلة الهروب من ‘‘داعش‘‘
مسيحيون عراقيون

المدينة نيوز :- للعام الثاني على التوالي، يصطف اللاجئ العراقي سليم (اسم مستعار) وشقيقته التي كانت تعمل طبيبة، الى جانب مصلين في الكنيسة الإنجيلية بجبل اللويبدة بعمان، لتلاوة صلاوات وترانيم احتفالات الأعياد المجيدة، آملين أن يحل السلام في بلدهما الذي أرهقته نيران الحرب والإرهاب والطائفية.
عامان مرا منذ خرجا من الموصل، بعد سيطرة عصابة "داعش" الإرهابية عليها في حزيران (يونيو) 2014، ليرويا اليوم لـ"الغد" معاناتهما في تلك الحقبة المريرة من حياتهما وحياة مدينتهما.
كانت رحلة الخروج أو الخلاص من براثن داعش الارهابية عملية صعبة جدا، فقد وصل سليم وشقيقته للأردن هروبا، بعد أن اجتازا طريقا محفوفة بمخاطر وصعوبات، تزيد هروبهما تعقيدا في كل خطوة.
في بداية الأحداث، وقبل اجتياح "داعش" للموصل بأيام، يروي الشقيقان، أنه وصلت للمسيحيين العراقيين "ظروف بريدية"، تحمل في داخلها طلقات نارية، ومنشورات تدعوهم لدفع الجزية.
في شهر حزيران (يونيو) 2014 طلبت قوات الجيش العراقي عند الظهر من أصحاب المحال التجارية، وفي إحداها يعمل سليم بإغلاق محالهم، وجرى فرض منع التجول، جراء بدء المعارك بين القوات الحكومية ومسلحي "داعش" الإرهابيين الذين كانوا يتقدمون باتجاه الموصل.
وزعت الحكومة دفاتر مالية عليهم، كل دفتر قيمته 10 آلاف دينار، بهدف ضمان حياتهم في حال وصلت داعش للموصل واحتلتها.
لم تكن المدينة مجهزة بملاجئ لحماية المواطنين من الاقتتال مع العصابة الإرهابية، فالتزم الجميع منازلهم، لكن هذا الالتزام لم يطل، يقول سليم، ويضيف "ومع ورود أخبار عن ارتفاع وتيرة المعارك وتقدم الارهابيين، بدأت بعض العائلات بالهروب خارج المدينة".
وأشار سليم الى ان عائلات أخرى بقيت ملتزمة في بيوتها، على أمل انتهاء القتال، لكن تفجيرا قرب فندق الموصل، كان انذارا بأن المعارك لن تنتهي على النحو الذي يتوقعونه، وعند احتدام تلك المعارك، وبدء انسحاب الجيش ليلة العاشر من حزيران (يونيو)، بدأت العائلات بالخروج نحو منطقة قرقوش في سهل نينوى، وهي منطقة خاضعة لحماية قوات (البشمركة) الكردية.
كانت الطرق خارج الموصل، محفوفة بالمخاطر. سليم وشقيقته التي بدأت تساعد الهاربين من العجزة والأطفال المرضى؛ قررا المضي عبر طريق تؤدي الى منطقة كوكجلي ومن ثم الى قرقوش.
بعد عبورهما طريق الشلالات، وصلا ثكنة عسكرية تطلق النيران في اتجاه أي سيارة أو انسان يتحرك، ظناً من الجنود الموجودين فيها أن كل من يتحرك على تلك الطريق هو من "داعش"، ولكنهما نجيا من الموت بأعجوبة، وقبض عليهما الجنود، ثم أطلق سراحهما، ومضيا في هروبهما من المنطقة.
عند نقطة التفتيش العراقية -يقول سليم- ترك الهاربون سياراتهم، فالطريق المؤدية الى قراقوش لمن تكن صالحة لعبور السيارات، وهي مقطعة الأوصال بحواجز ترابية، ما تزال عقباتها عالقة بذاكرة الشقيقين، لما تناثر حولها من جثث انتشرت على الحواجز وجانبي الطريق، في مشهد مؤلم، يألف الهاربون فيه جزءا مريرا من الصورة السوداء لتلك الأيام.
وصلت بعض العائلات الهاربة إلى منطقة دير ماربهنام، القريبة من قراقوش، لكن الرحلة الموجعة لبعض الهاربين استمرت، وفي ذاكرة كل منهم يتنامى الخوف والرعب مما قد يحدث لهم لو قبض عليهم الإرهابيون.
وصل جزء من الهاربين الى منطقة الدير القريبة من مدينة أربيل في الاقليم الكردي، بعد مشي لنصف يوم على الأقدام، لكن لم يتسن لجميع الهاربين الدخول، بعضهم للاشتباه بهم نوعا ما وآخرون حاولوا الاتصال بأقارب لهم في أربيل لمساعدتهم، ونجحت مساعيهم.
بعد أسبوع -يقول سليم- قيل للعائلات إن الوضع في الموصل آمن، وأن "داعش" الإرهابية التي سيطرت على المدينة، أعلنت أن المسيحيين، سيكونون بأمان، وباستطاعتهم العيش في المدينة، فهم أهل كتاب وستحميهم "داعش"، فقرر سليم وشقيقته العودة للموصل.
عاد الشقيقان إلى مدينتهم، ومعهم أعداد لا بأس بها من المسيحيين، لم يمض وقت طويل، حتى بدأت "داعش" الارهابية، بالضغط والتضييق على المسيحيين عن طريق منعهم من الاستفادة من الدفاتر المالية للحصول على حصص تموينية، ومن يستخدم تلك الدفاتر، يتعرض للعقاب، كما أن من يساعدهم على استخدامها بأي طريق، يعاقب، وأصبح توزيع المؤن عليهم انتقائيا.
لم يبق الأمر في نطاق الحصص التموينية، فرسم الإرهابيون على أبواب بيوت المسيحيين حرف (ن) في وسط دائرة بلون أحمر، تحت ذريعة حمايتهم، وتأكيد أن هذه العقارات التي وسمت بتلك العلامة، هي عقارات مسيحية، أصبحت تابعة للدولة الإسلامية.
في منتصف تموز (يوليو) 2014، كان يفترض قيام وجهاء مسيحيين من الموصل، بالاتفاق مع قيادات "داعش" على دفع المسيحيين للجزية، وغيرها من الامور لبقاء عائلاتهم في المدينة، لكن الطرفين لم يلتقيا، فأنذر المسيحيون عبر سماعات المساجد، وطلب منهم في يوم الجمعة 18 تموز (يوليو) إعلان اسلامهم، اذا رغبوا بالبقاء في المدينة، أو سيقام عليهم حد السيف، أو فعليهم ترك أملاكهم جميعها والخروج خارج المدن بدون تحديد مهلة.
كان "داعش" قد أغلق الطرق خارج الموصل، وأبقى على طريق سادة وبعويذة، ليخرج منها من يسمح له الإرهابيون بالخروج.
يقول سليم إنه "وعند نقاط التفتيش، أخذوا كل ما يملك ممن يريد الخروج من نقود وسيارات وهويات وذهب ووثائق، مقابل أن يمضوا أحياء ومشيا على الأقدام في طريق تصلهم بمنطقة تل كيف التابعة لقوات البشمركة".
وأشار الى ان خروجهم جرى بسرعة، اذ بعدها، بدأت "داعش" الارهابية، تتحصن في المدينة، وتتمدد، وأصبح لديها قوات بالآلاف، وحينها منعت عائلات مسيحية من الخروج، وأسر بعض المسيحيين عند نقاط التفتيش، وبعد استفسار سليم وآخرين نجوا من منطقة التفتيش ووصلوا الى تل كيف، لم يعرف مصير من بقي واسر من العائلات التي لم تتمكن من العبور.
لم تكن الكنائس في تل كيف لتتسع للأعداد الكبيرة من الهاربين من "داعش" وفق سليم، الذي قال إن جزءا من المسيحيين ممن لم يجدوا مأوى لهم، رحلوا الى مناطق زاخو وبيرسفي القريبة من الحدود التركية، وقضوا هناك نحو 22 يوما.
أثناء وجودهما في احدى كنائس بيرسفي، علم الشقيقان بأن هناك "فيزا ملكية" لحماية المسيحيين تأتي من الاردن، فتقدما بطلب لها في منتصف آب (أغسطس) 2014، وبعد عشرة أيام حصلا عليها، وهو ما تم بعد قبولهما فخرجا من بيرسفي الى زاخو ومن ثم الى مناطق داهوك واربيل التابعة للاقليم الكردي، وبعدها مباشرة انتقلا للاردن.
في عمان، أمن الشقيقان بمأوى في احدى الكنائس لمدة عام، وعاشا ظروفا صعبة بسبب العدد الكبير من العائلات المسيحية المحتشد في الكنيسة.
حصل قاطنو الكنيسة على أسرة خشبية، تم تامينها عن طريق متبرع، قدم أخشابا يمكن صناعتها كأسرة، الى جانب قيام سليم ومشرفين بتأمين العائلات في الكنيسة عن طريق (الكاراتاس) بدفع مستلزمات الأكل والايجار للكنائس المستضيفة، وبعد عام طالبت "الكاراتاس" بخروج العائلات، وصرف مبلغ 2400 دينار لكل عائلة عن ايجار عام كامل وكوبون بقيمة 50 ديناراً من المؤسسة العسكرية.
انقضى العام، وبدأت الظروف تزداد ضيقا على العائلات المقيمة في الكنيسة، وفق سليم، الذي كان يتابع أمور بعضها، بخاصة تلك التي ترافق معها أثناء هروبه من الموصل، ما دفعهم الى تقديم طلبات هجرة الى دول اجنبية، تمنحهم حق اللجوء.
اغلب من ظل من اللاجئين الهاربين من لعنة "داعش" الارهابية من المسيحيين في عمان وفق سليم، يعملون سرا، لتأمين قوت يومهم، وبعضهم يعتمدون على معونات اقارب لهم سبقوهم للعيش في الخارج.
طرق تعامل السفارات الأجنبية مع اللاجئين وفق سليم، صعبة، وغير انسانية، وتفرض على اللاجئين مطالب كثيرة ومعقدة، مثل ايداع مالي ووثائق يصعب الحصول عليها من مناطق سيطرت عليها "داعش" الارهابية وسلبتها من الهاربين الباحثين عن ملاذ.
وحتى اللحظة؛ فإن مصير سليم وشقيقته الطبيبة وغيرهما من الهاربين الذين لجأوا للأردن، ويعيشون على المساعدات الكنسية وغيرها من منظمات أممية وبدون مصدر رزق أو عمل، مرهون بانتظار موافقة السفارات الأجنبية على تأمين هجرتهم في ظل ضياع وسلب وثائقهم وهوياتهم.



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات