في هجاء العام 2016
مع أن التشاؤم ما يزال سيد الموقف إزاء العام المقبل، والمقاربات الرصينة لا تحمل على التفاؤل حيال متغيرات العام 2017، بل إن بعض التوقعات تنذر بمجيء حقبة قد تكون بالغة الوطأة على الجميع، فإن الشعور بثقل أحداث العام 2016، وفداحة التطورات التي أتت في ركابه، تدعو إلى الابتهاج بانقضاء هذا العام الكئيب الذي فاقت مآسيه كل ما حفلت به في السابق أعوام لم تكن سعيدة على أي حال، ولا سيما في العالم العربي.
فمن ذا الذي يتأسف على العام 2016، وهو العام الذي ضرب الإرهاب فيه الأردن أربع مرات؛ الأمر الذي لم يحدث سابقا؟ ومن سيذكر العام المنصرم بالخير، وهو عام الجمود والبطالة والضائقة الاقتصادية وارتفاع الأسعار، وعام الشغب الجامعي، وقتل النساء، والجرائم الاجتماعية المروعة، وغير ذلك الكثير من المظاهر السلبية، التي لم تتفاقم قبلا بالدرجة التي كانت عليها في هذا العام؟
ولهول ما شهده العام 2016 من أزمات ومصاعب وفواجع وإرهاب وحوادث أليمة، وموت بالجملة في القارات الخمس، فإن بعض أصحاب الإرادة السديدة، يعتقد أن هذا العام اللئيم الذي سيودعنا بعد يوم واحد، سوف يحتل مكانة مظلمة في كتاب التاريخ المعاصر، إلى الحد الذي يمكن معه القول إنه العام الفاصل بين زمنين، أحدهما يتشح بالسواد، وثانيهما قد يرفل بأثواب أشد سواداً من ذي قبل.
فهذا العام الذي نستعجل رحيله، هو عام سقوط القيم والمثل والمبادئ الإنسانية بصورة غير معهودة قبلاً، وعام انهيار المعايير الأخلاقية بصورة شديدة الفظاظة، عام انكشاف عجز النظام الدولي على أيدي قلة قليلة من الدول المارقة، على نحو ما تجلى في مجلس الأمن مؤخراً، سواء أكان ذلك بفعل اختلالات علاقات القوة وانثيال توازناتها، في زمن ما بعد نهاية الحرب الباردة، أو كان جراء الفراغ والانكفاء والتردد الذي أصاب القوة العظمى الوحيدة.
سيسمي الرواة والمؤرخون العام 2016 –على الأرجح- "عام محنة حلب" التي جرت فصولها أمام سمع العالم وبصره، يوماً بيوم، بل ساعة بساعة، وربما سيطلقون عليه عام التهجير الجماعي وإعادة الهندسة الديمغرافية في شرق المتوسط، أو عام التوحش الذي بلغ مداه الرهيب في كل من العراق وسورية، أو عام الإخفاقات في حل أي من المشكلات العربية الأقل تعقيداً، في اليمن وليبيا مثلاً، وحدث ولا حرج عن تلك المشاكل التي رافقت جيلاً أو أكثر في عدد من البلاد العربية المقيمة في الحزن كابراً عن كابر.
وقد لا يختلف اثنان على أن 2016 كان عام دونالد ترامب بلغته السياسية المهينة، وأفكاره التي قد تزيد الوضع العالمي خطورة إضافية؛ وأنه أيضاً عام صعود اليمين الأوروبي الشعبوي، وعام فلاديمير بوتين ومغامراته على حافة الهاوية، وعام بنيامين نتنياهو الذي استأسد حتى على أرباب نعمته في الإدارة الأميركية، وعام ثلّة أصغر من الرجعيين والعنصريين والأصوليين الذي كتبوا أسماءهم بحروف نافرة على صفحة هذا العام ثقيل القدم على صدر الإنسانية المستباحة.
وقد يدّون البعض في سجلات هذا العام البائس، حقيقة أنه عام اتساع مظاهر الفقر والبطالة والأزمات المالية، وعام التغيرات المناخية، وعام سقوط الطائرات واغتيال السفراء، وتآكل أسعار العديد من العملات، ناهيك عن الهزات الأرضية والفيضانات والتصحر، وغير ذلك مما لا تسعف به الذاكرة الفردية. إلا أنه يظل بالنسبة لنا في هذه المنطقة، عام الحروب والدماء والاستعصاء والإحباطات التي أخذت في طريقها الأغلبية.
كم يود المرء، وهو يكتب معلقة هجاء غير مقفاة، في قدح هذا العام، وتعداد آثامه ومآسيه التي لن تسقط من الذاكرة بسرعة، أن يقول: أيا أيها "العام" الطويل ألا انجلي بصبح وما الإصباح منك بأمثلِ. غير أن البشائر القليلة، وهي تراوغنا عن بعد، لا تحمل على الاعتقاد بأنه سوف يكون في انتظارنا عام أفضل؛ ولا تشجع على التفاؤل. من دون أن يعني ذلك أننا ندعو إلى اليأس، أو الكف عن التبسم في وجه المحن، والتمسك بأحبال الأمل مهما كانت ضئيلة.
الغد 2016-12-30