2017: حدود انحسار الإسلام السياسي
لعل أبرز سمة ممكنة لوصف التوقعات السياسية والاستراتيجية للعام الجديد 2017، هي "عدم اليقين والشك" في الكثير من السيناريوهات والاحتمالات المرجحة التي تتردد حاليا. فقد تعلم العالم، من خبرة السنوات الأخيرة، أن هناك دوما احتمالا كبيرا لانقلاب التوقعات رأسا على عقب، وبروز تحولات غير مدركة وخارج دائرة الحدس السياسي والاستراتيجي، تغير مسار الأحداث تماما؛ أو بروز ظواهر غير متوقعة تتجاوز نظم المراقبة وبناء التوقعات.
خارج السياق السابق، تبقى تطورات ظاهرة الإسلام السياسي التي بدأت تتبلور منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، هي المرشحة لأن تشهد تحولات جديدة ومختلفة في هذه المرحلة التي قد تمتد على مدى عقد أو أكثر. وأبرز تلك التحولات، بداية تفكك الأطر التنظيمية والفكرية التي حكمت تيارات الإسلام السياسي التقليدية على مدى أكثر من تسعة عقود، ووصلت ذروتها في ظاهرة "الأصولية الجهادية" التي وصلت أكثر لحظات انفصامها عن الواقع بالمغالاة في استخدام العنف أداة لإنجاز مشروعها السياسي والمجتمعي في السنوات الأخيرة، سواء في سورية أو العراق أو ليبيا، كما في ظاهرة الإرهاب الذي يضرب الكثير من مناطق العالم. وهذا التفكك المتوقع يرتبط بأسباب موضوعية داخلية وأخرى خارجية، لكنه لن يترك الساحة فارغة، ولن يحدث بين ليلة وضحاها؛ بل يحتمل أن هذه التحولات سوف تصب في ظهور أطر تنظيمية وفكرية جديدة، لا ندري كم ستستفيد من دروس الإسلام السياسي المعاصر.
يبدو أن المشاريع الاستراتيجية الدولية التي بنيت على أطروحة الاستثمار في هذه النسخة أو تلك من الإسلام السياسي، والتي وصف بعضها بالمعتدل، انتهت أو تلفظ آخر أنفاسها، وأبرزها المشروع الأميركي الذي حاول الاستثمار في هذا الشأن في إعادة ترسيم المنطقة على خطوط متشابكة وأحيانا متناقضة، تمتد من الرباط في أقصى المغرب إلى غزة، ومن اسطنبول إلى الدوحة، ومن طهران إلى القاهرة. وهو المشروع الذي نجح في لحظات مهمة، أبرزها الاتفاق النووي الإيراني الذي يفترض أنه سيساهم في إعادة تأهيل نسخة جديدة من الإسلام السياسي الإيراني، مقابل نسخة أخرى من الإسلام السياسي السني الذي ينتشر في حوض هائل يمتد من تركيا إلى المغرب.
على الرغم من الانتشار الذي تحقق لتنظيمات الإسلام السياسي في السنوات الخمس الأخيرة، إلا أنها أفلتت من عقالها، ما جعل مشروع الإسلام السياسي بنسخته الراهنة في مهب الريح، وحتى بالصيغة المعتدلة التي روجت لها قوى إقليمية ودولية. وهذا ما بدا واضحا في سلسلة من المراجعات الاستراتيجية التي أجرتها دوائر ومراكز غربية، قامت على ثلاثة معايير: الأول، مدى انخراط هذه التيارات في المشاركة الديمقراطية والحفاظ عليها، ودعم الثقافة الديمقراطية، بما في ذلك الالتزام بترك السلطة بعد خسارة الانتخابات. والثاني، مدى تبني رؤية دينية تحمي الحقوق والحريات والسياسات الاجتماعية التي تتفق مع القيم الغربية. والثالث، هو الالتزام الأساسي والواضح بنبذ العنف. ويبدو أن معظم عمليات المراجعة تذهب إلى فشل مشروع الإسلام السياسي الراهن في دخول بيت السياسة الدولية والتعايش معه.
يزداد هذا الإدراك مع توقعات أن يشهد العام 2017 موجة عالية من الضغوط الدولية على الكثير من تعبيرات الإسلام السياسي، تصاحب ظهور نسخة جديدة من الحرب على الإرهاب. وقد بدأت إرهاصات هذه التحولات تظهر في التفاهمات الروسية التركية، والتحولات على الساحتين السورية والعراقية، والتي ستقود إلى تفكيك التنظيمات الجهادية المتطرفة وزوالها بالشكل الذي عرفت به في السنوات الأخيرة.
هناك قناعة في العديد من الدوائر الدولية أن الإسلام السياسي المقيف على مقاييس تم تصميمها في عواصم الشرق والغرب، قد استنفد دوره ووصل ذروته في الكثير من المظاهر. والمشكلة الراهنة والمقبلة تتمثل بالتعامل مع الآثار التي تركها، وهي الأخطر، والمتمثلة بدورها بالإسلام السياسي القادم من الداخل، والذي يزرع في هذا الوقت في بيئة معقدة يزدحم فيها البشر في بيئة مملوءة بالفشل في التنمية والاقتصاد والتعليم، كما تزدحم فيها العواطف السلبية بأقسى الانفعالات، وبمشاعر حادة من الاتهامية والانتقام.
الغد 2016-12-31