الإسلام السياسي الذي يضعف ولا يغيب
ثلاث جولات انتخابية خلال النصف الثاني من العام 2016 وسط حريق المنطقة ومشاهد الموت والدمار وقعقة السلاح (المغرب، الأردن، الكويت)، وفي الثلاث حضرت قوى ما يسمى “الإسلام السياسي”، وحققت نتائج جيدة على تفاوت بينها.
وحتى لا يتسع نطاق المقاربة، فنحن هنا نتحدث عن قوىً إسلامية لم تحمل السلاح، لا قبل الربيع العربي ولا بعده، باستثناء حالات محدودة، ولها سياقاتها الخاصة، كما في ليبيا مثلا، وربما سوريا إلى حد ما، ولا تشمل المقاربة قوىً جهادية قد تدخل عمليا ضمن المصطلح (الإسلام السياسي)، لكن موقفها من القوى التي نحن بصددها يبدو أقرب للعدائية منه إلى الود، وقد يصل البعض منها حد التكفير.
عشرات المليارات من الدولارات دُفعت منذ العام 2011 ولغاية الآن من أجل دفن ظاهرة الإسلام السياسي، مع ضرورة التذكير بأن هذه الحرب لم تكن تتعلق بالهوية الأيديولوجية كما يذهب البعض، بل لأن تلك القوى أصبحت عنوان نضال الشعوب من أجل الحرية والتعددية، ولو حدث أن كانت هوية تلك القوى التي تصدرت الربيع العربي يسارية أو قومية، أو حتى علمانية غربية لما تغير الموقف أبدا، فالحرب هي ضد من يطالبون بالتغيير، وليست ضد هوية أيديولوجية بعينها، وإن تفاوت منسوب العداء بين واحدة وأخرى.
عشرات المليارات دفعت من أجل دفن الظاهرة، لكنها لم تنجح في تحقيق المطلوب، والحرب هنا كانت سياسة وإعلامية وأمنية؛ وحتى دينية، لكن النتيجة هي صمود الظاهرة، وخوضها للجولات المشار إليها، وتحقيق نتائج طيبة.
أي سر يقف وراء ذلك، ولماذا لم تنجح تلك الحملة رغم أن أخطاء من طرف تلك القوى لا يمكن إنكارها قد ساعدت المهاجمين، كما هو حال أخطاء الإخوان في مصر في إدارة مشهد ما بعد الثورة؟
يكمن السر في بعدين أساسيين؛ الأول هو الفراغ السياسي الذي تعانيه الساحات العربية والإسلامية، وعدم وجود قوىً تعبر عن شوق الشعوب للتغيير، فضلا عن شوقها لمواجهة العدوان الأجنبي بكل تجلياته، حتى لو قيل إن دور الحركات الجهادية كان أكبر، فهذه أصلا لا تخوض انتخابات، ولا تؤمن بها. ودليل الفراغ هو تجذر أفول اليسار خلال العقود الأخيرة، وقبول بعض القوى الليبرالية بالتبعية للأوضاع القائمة، إلى جانب غياب القوى القومية أو تحوّلها لتيار نخبة لا غير.
البعد الآخر يتمثل في تجذر الصحوة الدينية في المجتمعات العربية والإسلامية، وهي صحوة منحت حاضنة شعبية لقوى الإسلام السياسي، وهذا هو البعد الذي وعته بعض الأنظمة، وراحت تبحث عن مسارات لتحجيم تدريجي لظاهرة التدين، وبطرق شتى ليس هذا مجال الخوض فيها، وإن كان من بينها الترويج للون من الخطاب الإسلامي (سلفي تقليدي وصوفي) وهو لون يمنح الشرعية للأوضاع القائمة، دون خوض في السياسة.
خلاصة القول هي أن نعيَ البعض للإسلام السياسي كان متسرعا إلى حد كبير، فهو لا يزال حاضرا، وسيبقى كذلك لزمن يطول، ومعه وقبله شوق الجماهير للتغيير الذي لم يُدفن أبدا إثر تعثر ربيع عربي التقت عليه إيران بأحلامها المجنونة؛ وبعض العرب برفضهم الجدي للتعددية الحقيقة.
الدستور 2017-01-03