القمة العربية والمهمة الأردنية الصعبة
في الوقت الذي يستعد فيه الأردن لاستقبال القمة العربية الثامنة والعشرين، في آذار (مارس) المقبل، تفرض الظروف السياسية الحرجة على الأردن قيادة جهد عربي من نوع آخر لإنجاح هذه القمة، ولو بالحد الأدنى؛ بما يتجاوز الدور البروتوكولي والدبلوماسي التقليدي.
نعلم أن القمة جاءت للأردن ولم يسع إليها، بعد اعتذار اليمن نتيجة ظروفه المعروفة. وهو الأمر الذي يتطلب من الأردن رئاسة مؤسسة القمة التي كادت تندثر خلال السنوات الأخيرة، وفي هذا الوقت الذي تصل فيه الخلافات العربية قمتها، وتتعمق حالة الاستقطاب، بينما تزداد حدة التحولات السياسية والاستراتيجية الإقليمية والدولية، ما يجعل الحاجة إلى حراك سياسي عربي جديد مسألة مصيرية في حسابات المصالح الوطنية قبل أي حسابات أخرى.
ونعلم، أيضا، حجم الملفات التقليدية التي توضع على أجندة القمة، والكثير منها يتكرر منذ عقود، مثل تنقية الأجواء العربية. وهذه المرة يبدو أن مبادرة شاملة تتبناها رئاسة القمة في هذا السياق ستكون ضربا من العبث السياسي الذي لن يتورط فيه الأردن، في حين أن معظم الخلافات العربية تدور حول الموقف من الأزمة السورية، ما يشكل المفتاح الحقيقي للتقدم خطوة للأمام.
إذن، ما هو الممكن المتاح للتقدم خطوة في الموقف العربي حيال الملف السوري؟ وما هي المجالات الواردة لإحداث تفاهمات الحد الأدنى؟
هناك الكثير من التحولات الدولية والإقليمية التي حدثت، وأخرى متوقعة خلال النصف الأول من هذا العام. وللأسف، فإن التفاهمات الدولية والإقليمية حول إدارة الأزمة السورية تجري حاليا بعيدا عن العرب، وعلى رأسها التفاهمات الروسية التركية الإيرانية التي لا تجري من دون مباركة أميركية.
أمام العرب فرصة قوية لإعادة قراءة الملف السوري من جديد. وأمام الأردن أسابيع قليلة للسعي إلى بلورة تفاهمات الحد الأدنى على المحورين السعودي والمصري. هناك ضغوط عربية لدعوة سورية للقمة، إذ عُلقت عضويتها بقرار من جامعة الدول العربية قبل خمس سنوات، وقرار عودتها بيد الجامعة وليس مسؤولية رئاسة القمة. فالمسألة اليوم ليست بعودة مقعد سورية في الجامعة للنظام، بل في خلق تفاهمات الحد الأدنى حول برنامج سياسي لحل الأزمة يلتزم به العرب ويتقدمون فيه.
إن خلق تفاهمات الحد الأدنى سعوديا ومصريا ستقود إلى بداية حضور عربي في تحديد مستقبل سورية. وهو المطلب الوحيد الذي إذا ما استطاعت القمة التقدم نحوه، فإنه سيكون عملا سياسيا اختراقيا. مع العلم أنه من المنظور السياسي، فإن التحولات والمتغيرات الراهنة والمتوقعة تتطلب من الطرفين إجراء مراجعات عميقة لمواقفهما.
الأردن انشغل خلال الأسابيع الماضية بضمان حد معقول من التمثيل السياسي في حضور القمة. وهو ما أصبح، حسب التوقعات، في حكم المضمون، بحضور نحو 15 زعيما عربيا، الأمر الذي لم يتحقق في قمم عربية خلت. ومن المتوقع أن رئاسة القمة، وبالتنسيق مع جامعة الدول العربية، ستذهب إلى أن تكون أعمال القمة مختصرة في يوم واحد فقط، ما يضمن حضور القادة العرب لفعاليات القمة كافة وبيانها الختامي. وإلى هذا الوقت، يبدو أنه لا يوجد سوى اعتذار عربي واحد، مع ترجيحات تؤكد حضور الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس عبدالفتاح السيسي.
المهمة الأردنية صعبة ومعقدة، لكنها غير مستحيلة. وتحتاج أجندة سياسية مكثفة، وتدخلا مدروسا بعمق في فترة زمنية محدودة.
الغد 2017-01-07