عن الحكومات
كان الحديث قبل سنوات في الأردن حول الولاية العامة وصلاحيات رئيس الوزراء، وذلك في حكومة عون الخصاونة، وما حدث في الحكومة الحالية (حكومة الملقي) يفتح الباب واسعاً حول جرأة هذه الحكومة التي تتعرض للنقد من مجلس نواب قوي نسبياً يحوي تيارات لها باع طويل في المعارضة، كما يتكون المجلس من أفراد لهم قاعدة شعبية واسعة وعلى دراية باللعبة السياسية المحلية، ولعل أبرزهم صالح العرموطي وعبد الله العكايله وعبد الكريم الدغمي.
أما كيف تجرأت الحكومة في قراراتها التصحيحية الأخيرة فذلك يرجع حتماً إلى ادراكها لخطورة الوضع الاقتصادي والبيئة المحيطة به، وذلك بعد أن فقدت الحكومات السابقة الثقة من قبل القاعدة الشعبية الواسعة، فكان أول ما فعلته هو الشراكة الإستراتيجية مع مجلس النواب، وتقديم توصيات مبنية على دراسات وخبرات سابقة، لوضع الاقتصاد الأردني على سكة الحركة الإصلاحية الشاملة.
يظهر من هذه القرارات أن الهدف الإستراتيجي للحكومة الحالية هو دعم الطبقة الوسطى والفقيرة، وعدم المساس بحقوقها نهائياً، بل على العكس من ذلك فتح المُلقي على نفسه جبهة مع "عُلية القوم" من أصحاب رؤوس الأموال، حيثُ شملت هذه التوجهات التوصية بتعديل قانون الضرائب والذي جاء بتوصية من اللجنة المالية في مجلس النواب، والقاضي بتغليظ العقوبات على المُتهربين من الضرائب، وهو ما يعني أن الحكومة ستضع نفسها في مواجهة مُباشرة مع المتنفذين أكثر منها مع الشريحة الشعبية.
أما المؤشر الآخر الذي يدل على استراتيجية الحكومة في دعم الطبقة الدنيا والوسطى، فهو النظر في الحد الأدنى للأجور، ووضع حد أعلى للرواتب وتخفيض الرواتب العليا للموظفين الرسميين، وتقليص النفقات والمكافآت بشكل غير مسبوق، وهو ما يُشكل ثورة حقيقية تحسب لحكومة الملقي الذي وضع معايير رقمية في بيانه الوزاري.
تأتي هذه القرارات في إطار توجه الحكومة بالأخذ بتوصيات مجلس النواب الذي يمارس نقداً ومراقبة دقيقة لكل خطوة تقوم بها الحكومة، وفي هذا السياق جاءت القرارات القاضية (التي نتمنى أن تكون مستدامة) باعادة النظر بالمكافأت والمياومات التي يتقاضها موظفو الحكومة والوحدات التابعة لها، وخفض الرواتب والبدء الفعلي بسياسة التقشف والسير على مبدأ (سنبدأ بإصلاح أنفسنا) .
إن الإقتصاد الأردني يحمل في بنيته جدل التطور الداخلي، فيعاني من نكسات سرعان ما يتجاوزها، ولنا في العشر سنين الأخيرة مؤشرات على ذلك، لكن التركيز على ردم الفجوة الطبقية يبدو أنه توجه الحكومة الحالية واستراتيجيتها، وهو ما لم تقم به أي حكومة سابقة، حيث تم وضع السياسة التقشفية على بند الإهتمامات، والشروع بالتفاصيل التي تحد من تغول رؤوس الأموال على الطبقات الفقيرة، والسماح للطبقة الوسطى بالمشاركة الريادية في مجال الإستثمار عن طريق تسهيل المُعاملات وتدشين الحواضن الراعية لها.
ويُشدد خبراء اقتصاديون على أنّ الخطة الاستراتيجية التي جاءت في البيان الوزاري هي قفزة جريئة وسط مخاوف عبر عنها بعض الإقتصادين من حملة شد عكسي من كبار رؤوس الأموال الذين يرغبون بتكريس الوضع القائم ولا يرغبون بالإصلاح الحقيقي الذي يأخذ كافة الطبقات بعين الإعتبار.