خجل أميركا... هل يُطوّع ترامب؟
"أجدادي ينحدرون من ألمانيا والنمسا وبولندا، أما (زوجتي) بريسكيلا، فكان والداها لاجئين من الصين وفيتنام. الولايات المتحدة أمة مهاجرين، وعلينا أن نكون فخورين بذلك"؛ هكذا ردّ مؤسس موقع "فيسبوك"، مارك زوكربيرغ، منتقداً القرارات التنفيذية التي وقعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لحظر دخول مؤقت على اللاجئين وحاملي عدد من الجنسيات إلى الولايات المتحدة. وصرحت شركة "غوغل" أنها "قلقة من حظر دخول المواهب إلى الولايات المتحدة". وذهبت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت، إلى حد القول إنها مستعدة لـ"تسجيل نفسها كمسلمة"، إذا نفذ ترامب إجراءاته ضد المهاجرين المسلمين إلى أميركا. و"غردت" أولبرايت (عبر موقع "تويتر"): "نشأت كاثوليكية. وتبين في وقت لاحق أن عائلتي كانت يهودية. وأنا على استعداد لتسجيل نفسي كمسلمة". وهي "تغريدة" نالت إعجاب الناشطة النسوية الأميركية غلوريا ستاينم التي أبدت استعدادها أيضا للتسجيل على أنها مسلمة.
هي بعض دفقات من الاعتراض ورفع الصوت بعدم القبول؛ وهي دفقات تضم تغطية "سي. إن. إن" و"نيويورك تايمز" والتظاهرات أمام البيت الأبيض، وتضم من قبل مواقف عبّرت عنها الممثلة ميريل ستريب في حفل جوائز "غولدن غلوب"، كما عبّرت عنها سلسلة مقاهي "ستاربكس" التي أعلنت أنها ستوظف 10 آلاف لاجئ من العالم خلال السنوات الخمس المقبلة؛ رداً على إجراءات ترامب الذي معه، كما قال رئيس مجلس إدارة "ستاربكس" هارولد شولتز، "يبدو الوعد بالحلم الأميركي موضع تشكيك".
هذا المشهد يعني أن طيفاً واسعاً من قوة أميركا الناعمة يراودها الأمل في أن ينتصر تمثال الحرية على سياسات الهوية، و"بناء الحواجز لا الجسور" التي يتبناها ترامب.
الأصوات التي ترتفع، هنا وهناك، ضد سياسات ترامب ومواقفه وتصريحاته، إنما تعني أن انتخابه لا يجعله كليّ القدرة في اتخاذ القرارات التنفيذية المثيرة للجدل من دون معارضة أو انتقاد أو ممانعة. وثمة مراهنة على أن ينجح "المتضررون" من سياسات ترامب، بمن فيهم الدولة العميقة وكثير من النخب والمشرعين والجمعيات الحقوقية والمدنية في أميركا، في فرملة توجهاته الشعبوية.
لكن في المقابل، ثمة من يرى أنّ الرئيس الجديد قد يُعيد تشكيل أميركا ويدشّن عهداً جديداً في العلاقات الدولية، ومنها العلاقات عبر الأطلسي. فهو في عجلة لتنفيذ وعوده الانتخابية، ولا يُصغي للحلفاء الأوروبيين، ولا يعبأ بإحراجهم، ويكاد يُضعِف "منظومة القيم الأوروبية"، وهو عميق في "الشخصنة والشكلانية والفقاعات"، وعميق في عناده ومزاجيته وارتيابه وتكثير الخصوم والأعداء، وهامشُ ما ليس بأبيض ولا أسود في تصنيفاته هامشٌ محدود وضيق، ما يعني أنه أقرب إلى اتباع سياسة "حافة الهاوية" وإحداث التغيير عبر "الصدمات"؛ متسلحاً بشخصية تقوم على التمرد على "السيستم" والنظام الدولي، ومتسلحاً بالفوقية وفرض الأجندة والاقتناع بأن شرط "التغيير الحاسم" هو عدم الالتفات كثيراً لردود الأفعال، أو التحايل والالتفاف عليها.
ثمة انقسام حادّ في أميركا. والمتضررون من سياسات ترامب، في الداخل والخارج، ليسوا منسجمين فيما بينهم. وبالرغم من ذلك، فإن مصلحتنا في العالم العربي تكمنُ في أن نستثمر ونتفاعل بإيجابية مع "الخجل البنّاء" الذي تبديه "القوة الناعمة" الغربية من ترامب وسياساته ومواقفه وتياره. مصلحتنا مع أميركا زوكربيرغ وهارولد شولتز و"غوغل" وأولبرايت وستريب وستاينم، وفي ألا تقوّي شعبوية ترامب الشعبوية الأوروبية. مصلحتنا مع تمثال الحرية التي تفرض علينا أن نعلن، مثلاً، اعتراضنا على منع حتى الإيرانيين من دخول أميركا؛ لأن هذا موقف مبدئي أخلاقي وإنساني يتسامى على الخصومة السياسية.
الغد 2017-02-03