لبنان: رئيس الجمهورية إذ يلوّح.. بـِ «الاستفتاء»الشعبي!
تتصاعد الأزمة السياسية والحزبية في لبنان, على خلفية الخلافات المتصاعدة بين «الطبقة» السياسية الحاكمة التي ما تزال يرفض بعضها, القبول بأي صيغة لقانون انتخاب جديد، بعد ان اتفق الجميع – او هكذا يبدو – على ان القانون الانتخابي المعروف بقانون «الستين» لم يعد صالحاً للاستمرار، بعد طول استخدامه وايصال البلاد الى حال الاحتقان الراهن، الذي يُكرِّس ما يراه البعض, التشوّهات التي اوجدها اتفاق الطائف (1989) والذي لم ينفذ من بنوده سوى تلك التي تمنح طائفة معنية (إقرأ السُنّة) صلاحيات اوسع على حساب الصلاحيات التي كانت ممنوحة لرئيس الجمهورية (الماروني), وبالتالي أفقدت المسيحيين, الدور والأهمية ومكَّنت الطوائف الأخرى وخصوصاً السُنّة, من التدخل والاستيلاء على مقاعد مسيحية، ما كان لهذا الأمر ان يتم لو كان هناك قانون انتخاب انتخاب, يُجسِّد «المُناصفة» التي نص عليها الطائف, وتم التأكيد عليها في اتفاق الدوحة, الذي جاءت برئيس صُدفة وضعيف اسمه ميشال سليمان.
ذروة الأزمة التي ما تزال تعصف بلبنان وخصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات وانتهاء المُهَل الدستورية، لدعوة الناخبين وغيرها من الاجراءات القانونية، وصلت باعلان الرئيس اللبناني – الاكثر عناداً– ميشال عون، انه في حال الفشل في الاتفاق على قانون انتخاب جديد فانه سيلجأ الى «استفتاء الشعب» حول هذا الموضوع, ليقل كلمَته، مُذكِّراً «خصومه» الذين لوّحوا هم ايضاً بما اسموه بـ «الفراغ» المؤسساتي والدستوري (المقصود بالفراغ هنا هوعدم وجود مجلس النواب, حيث يُعارِض عون التمديد للمجلس مرة «ثالثة» ويُهدِّد بِحَلَّه) بالقول: «...لا تُخيفونا من الفراغ، لأن لدينا البدائل، ونحن نقول: لا يجوز ان نصل الى الفراغ مرة ثالثة، لأنه – والقول لعون – اذ ذاك ماذا يبقى من ديمقراطيتنا».. ناصحاً الذين ينتقدون موقفه بأن «القانون الذي ترفضونه اليوم، قد يكون لمصلحتكم غداً، وان التبدُّل في بعض المقاعد, قد يربح استقراراً للمجتمع»..
مثل هذا الكلام «الرئاسي»، ولكن المدعوم من الثنائي المسيحي الأقوى (التيار الوطني الحر الذي يرأسه صهر الجنرال عون، جبران باسيل والقوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع)، لا يمشي في اوساط حزبية وسياسية وطائفية عديدة ، يقف في مقدمتها تيار المستقبل بزعامة رئيس الحكومة (السُنّي كما يجب التذكير، لأن كل شيء في لبنان يُقاس بالمسطرة الطائفية) سعد الحريري، وخصوصاً أيضاً وليد جنبلاط الذي يُعارِض بشدة وعنف مُعلَنين اي قانون لا يحفظ « الخصوصية « الدرزية, تحت طائلة التهديد بالنزول الى الشارع وتعطيل الانتخابات بل والحؤول دون دخول صناديق الاقتراح الى مناطق نفوذ الطائفة الدرزية في جبل لبنان, واعتباره في هذه الحال دائرة انتخابية « واحدة» يسري عليها القانون «الاكثري».
النسبي أم الاكثري أم الارثوذكسي؟
قوانين انتخابية عديدة يجري تداولها او البحث فيها, لكنها رغم قبول «البعض» التعاطي معها او مناقشتها, الا انها تنتهي عند الحسابات الطائفية والمذهبية وكيف ستكون النتيجة النهائية؟ هل سيحقق التحالف الذي يقوده الحريري الاغلبية (بعد أن سقطت همروجة 14 اذار)؟ أم أنه سيخسرها لصالح تحالف الثنائية المسيحية الاقوى (عون وجعجع) مع علم الجميع ان الثنائية الشيعية (حزب الله وحركة امل) لن تتأثر مقاعدها بأي قانون, سواء كان نسبياً كاملا أم أكثرياً أم جرى التوافق على قانون مختلط (نسبي واكثري), غير أن المعنيين بزعامتهم السياسية والحزبية والطائفية يرفضون القبول بذلك, ويطالبون بقانون مُختلَط, لا تهمهم «النسبة» بقدر ما يمنحون الاولوية لأن تكون دوائرهم الانتخابية دائرة واحدة, تسمح لناخبيهم بأن «يصُبّوا» في صالح القوائم المغلقة التي يضعونها للمنافسة. فيما سعد الحريري الذي سيكون المُتضرِّر الاكبر في حال تطبيق قانون مُختلَط, فإنه لا يُمانع باعتماده (المُخْتلَط) اذا كان ما سيخسره هو فقط مقاعد»المسيحيين» على قوائِمه, وليس مقاعد «المسلمين» وخصوصاً السنّة.
القانون الارثوذكسي الذي رُفِض سابقاً, يدعو الى ان ينتخب المسيحيون ممثليهم «مناصَفة» مع المسلمين, الذين عليهم انتخاب النواب المسلمين, ضمن معادلة الطائف القائلة «بالمناصفة» بين طوائف لبنان الثماني عشرة طائفة, وهو الان(الأرثوذكسي).. ليس في دائرة الاهتمام أوالبحث فيه..
مُعادلاتة مُعقَّدة وازمات متناسلة, لا يكاد لبنان يخرج من واحدة حتى يقع في اخرى, وسط اوضاع اقليمية ودولية ضاغطة ومتفجرة وفي ظل رفض لبناني (وبإجماع دائماً)إجراء أي تعداد للسكان, يحدد الحجم الدقيق للطوائف الثلاث الكبرى, السنة والشيعة والموارنة. اذ ان لبنان هو الدولة الوحيدة «في العالم» المحظور عليها بقرارداخلي وخارجي,إجراء تعداد كهذا, لِأسباب لها علاقة بالجغرافيا السياسية وموازين القوى وغيرها من الحسابات, التي حَكمَت «استيلاد» صيغة «لبنان الكبير» ولاحقاً بحدوده الحالية, المُهدذَدة هي الاخرى بتقسيم على شكل كانتونات.. طائفية.
تقترب الاوضاع في لبنان من حافة الانزلاق الى مواجهات ساخنة, وبخاصة بعد «الهدوء» الذي ساد اثر انتخاب رئيس جديد للجمهورية (وُصِفَ بأنه بَيّ الكِل) بعد فراغ رئاسي استمر ثلاثين شهراً, بدا وكأنه الخطوة الاولى على طريق توافق سياسي وحزبي, يُخرِج لبنان من راهنه المأزوم, إلا أن الامور عادت الى المربع الاول – او اقتربت من ذلك – بعد أن «اطمأَن» البعض, بأن الفرصة مناسبة لإحداث تغيير في قواعد اللعبة, وادخال تعديلات على «دستور» الطائف الذي الحق اجحافاً بحق المسيحيين وسحب صلاحيات رئيس الجمهورية لصالح الرئاسة الثالثة (الحكومة).
فهل يجري استفتاء شعبي في لبنان؟
الراي 2017-02-05