من أين سيدفعون؟!
القرارات الاقتصادية الاخيرة، لاتختلف عن سابقاتها، فهي استمرار لذات الطريقة، اي جباية المال، من الناس، لتغطية العجز، وحل مشاكل الخزينة، وهذه باتت عقيدة لكل الحكومات.
لكن السؤال الاهم يتعلق بقدرة اغلبية الناس، على دفع هذه الفروقات المستجدة في اسعار كل شيء، اذ ان اغلبية الذي يعملون دخولهم تتدنى تحت الاربعمئة دينار، وهناك عدد كبير جدا، تتدنى دخولهم تحت المئتي وخمسين دينارا، وفي حالات ثانية يعمل الرجل والمرأة معا، فلا يتجاوز دخلهما معا الثمانمئة دينار، وهو دخل لايأتي معاجن الناس، بالدقيق، واقل متطلباتهم.
السؤال الذي يوجه لمن يلجأ الى سياسات الجباية، عبر الحكومات المتتالية، يتعلق بقدرة اصحاب هذه الدخول وهم الاغلبية على دفع الفروقات التي تستجد، مع كل موجة غلاء جديدة، فنحن امام مطبخ اقتصادي، يتجاهل قدرة المواطن في الاساس على الدفع، خصوصا، ان حسبة بسيطة لكيفية انفاق الدخل ، تكشف استحالة التجاوب مع هكذا سياسات، حين يتم توزيع الدخل اساسا على الايجار والغذاء واللباس والتعليم وغير ذلك، وهي حسبة غير معقدة، ويمكن ان يجريها اي مسؤول او خبير او انسان، وتكشف ان عجز الموازنة، يتم توزيعه على المواطنين، بحيث يتحول الى عجز فردي، ودين عائلي، بكل بساطة، فالحكومات، ترمي بسوء ادارتها على مواطنيها.
كيف يمكن لاصحاب هذه الدخول، مع كل موجة غلاء، وهي موجات ستتصاعد حتى عام 2019، ان يتكيفوا مع هذه التغيرات، وكيف يمكن لهم مثلا، ان ٌيعلموا ابناءهم في الجامعات، او حتى ان يتم فتح بيوت جديدة، عبر الزواج، وهي اسئلة تأخذنا الى الارتداد الاجتماعي السيء جدا، عبر ارتفاع نسبة البطالة، والجريمة، وتزايد الفقر الحاد، وانتشار الحرمان في قطاع واسع؟!.
هذه التحذيرات قيلت مليون مرة، غير ان لا احد يسمع، ولا احد يريد ان يصدق، ان لا سيولة متبقية بين يد الناس، من اجل دفعها، وهذا التجفيف للسيولة، ان توفرت، سيؤدي الى نتائج صعبة جدا، اقلها ما نراه، من شيوع للغضب الاجتماعي، واعادة انتاج المجتمع الاردني، بحيث تصبح ظاهرة الحرمان والفقر، ظاهرة عادية ومألوفة، مقارنة بمجتمعات ادمنت الفقر، وباتت هذه هي سمتها الاساس، فنحن امام مجتمع جديد، بكل معاييره.
الجانب الاخطر، هنا، يتعلق بتداعيات كل ذلك على القطاع الخاص، الذي يترنح تحت كلفة الانتاج، والطاقة، وتأمين مستلزماته ونفقاته، فهذا القطاع تضرر بشدة، جراء موجات الغلاء، والذي يتفقد القطاع الخاص، على مستوى المشاريع الصغيرة جدا، والمتوسطة ،والكبيرة، من صاحب السوبرماركت، وصولا الى صاحب المصنع، يكتشف بكل بساطة، حالة الركود الشديدة، والعجز في تغطية النفقات، وهذا يفسر ارتفاع منسوب اغلاق المشاريع من مستويات مختلفة.
كل الدول تعاني من مشاكل اقتصادية، لكن الابداع يتجلى بسياسات غير سياسات الجباية، وهذا مانفتقده حاليا، واللجوء لسياسات الجباية، ربما يكون اسرع نتيجة، واسهل، لكنه لجوء خطر بما تعنيه الكلمة، خصوصا، مع ظروف الاقليم الصعبة، والسيناريوهات المطروحة بشأن المستقبل، وكل هذا يعمق من حدة الوضع الاقتصادي، ويجعل الحياة مستحيلة.
ثم يبقى السؤال: هل حاول المسؤولون مرة، ان يحسبوا بقلم وورقة، كيف يمكن لعائلة اردنية، يعمل الرجل فيها، او الرجل والمرأة، تغطية نفقات العائلة، على كل المستويات. الارجح ان هذا لم يتم. والا لاعترف كثيرون، ان سياساتنا الاقتصادية قائمة على فكرة واحدة، اي توزيع عجز الموازنة، على المواطنين، وبحيث يصبح العجز فرديا، في كل بيت وعائلة، وهذه عدالة من نوع جديد، كنا نتمناها، في قضايا ثانية، اذ لانتساوى للاسف الا في الغموم والهموم، وكل شيء غير ذلك، فلا!.
الدستور 2017-02-10