حملات المقاطعة لمواجهة "هوس" الحكومة
"لا تستهين بحملات المقاطعة، فمسيرة "غاندي" في تحرير الهند من الاستعمار البريطاني بدأت بمقاطعة الملح" هذا ما كتبه الإعلامي محمد عمر على حسابه "بتويتر".
في ظل هوس الحكومة بفرض مزيدٍ من الضرائب ورفع الأسعار لتحسين إيراداتها وتقليص العجز في الموازنة، لم يجد الأردنيون سوى الدعوة لحملات مقاطعة شعبية بدأت بالبيض وانتقلت الى حملة "سكر خطك" ولن تنتهي بحملة "صف سيارتك".
مادامت هذه الحملات سلمية ولا ترتكب خلال دعواتها على وسائل التواصل الاجتماعي جرائم قدح وذم وتشهير أو تحريض على العنف فإنها حق لا يجوز الاقتراب منه أو التضييق عليه، ومن غير المقبول أن يضيق صدر الحكومة بهذه الحملات وأن تكيل لها الاتهامات.
قد لا تحقق الحملات ما تصبو له كاملاً لكنها رسالة واضحة بأن جيب المواطن ليس هو الحل لتعالج الحكومات فشل سياسات الإصلاح الاقتصادي.
تدرك الحكومة يقيناً بأن حملة "صف سيارتك" ستنجح الى حد كبير في أيام الإجازات، ولكن من الصعوبة أن تتوسع لأيام العمل، ليس لأن الناس لا تملك العزم للمضي في حملتها بل لأن وسائل النقل العام الجيدة غير متوفرة بكل مكان.
ربما مطلوب من نشطاء الحملة أن يبتكروا أساليب للنقل الجماعي أيام العمل، فيشجعوا أو يفرضوا على مؤسساتهم وجود باص لنقلهم حتى لو استقطعوا نسبة بسيطة من رواتبهم، وكذلك يمكن تشجيع انتقال الموظفين ممن يسكنون بالقرب من بعضهم بسيارة واحدة.
البدائل التي تُنجح حملات المقاطعة متوفرة وإن كانت تشكل عبئاً على من تعود أن يقود سيارته حينما يقرر ذلك.
ما ينطبق على حملة "صف سيارتك" يمكن تطبيقه على حملة "سكر خطك"، مع ملاحظة أن مشكلتنا الأساسية مع الحكومة وليس مع شركات الاتصالات التي ترفع الصوت احتجاجاً على زيادة الضرائب التي تقلص أرباحها، فالرئيس التنفيذي لشركة "زين" أحمد هناندة لا يذيع سراً حين يقول بأن الحكومة تأخذ من كل دينار يصرف على الخلوي 60 %.
قررت الحكومة أن ترفع الضريبة على الانترنت إلى الضعف من 8 % الى 16 % وأن تفرض دينارين وستين قرشاً على أي رقم موبايل جديد، ومن المهم التذكير بأن الحكومات السابقة حين أبقت الضريبة على الانترنت 8 % كانت تقول بأنها تريد أن يصل الانترنت لكل شرائح المجتمع وفي كل المدن والقرى، لأن الانترنت أساس الاقتصاد المعرفي.
لم تعد تبالي الحكومات برفع كلفة الانترنت على الناس، فالإيرادات للخزينة أهم من المعرفة، ولم تلتفت أنها تضاعف الضريبة في وقت أصبح توفير إنترنت بكفاءة عالية حقا أساسيا للإنسان، ففي بعض الدول الديمقراطية توفره مجاناً.
وتعلم الحكومة أيضاً أن الإنترنت بفضل تطور عالم الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أصبح عابراً للقارات والحدود ويمكن توفيره مجاناً عبر الأقمار الصناعية وباستخدام أجهزة صغيرة جداً، وتعمل أيضاً "فيسبوك" على إطلاق أقمار تزوّد العالم وخاصة الدول النامية بإنترنت مجاني.
لا أعتقد أن هذه الحقائق غائبة عن الحكومة وشركات الاتصالات وحتى مطلقي حملة المقاطعة "سكّر خطك"، وما يهمنا كيف يمكن الضغط على الحكومة حتى تتوقف عن التغول على جيوب المواطنين وإمكانياتهم المادية دون أن تردد أسطوانة مشروخة "بأن هذه الضرائب وزيادة الأسعار لن تؤثر على دخل الأسر المتوسطة والفقيرة"؟
التحدي الذي يواجه الحملة بأن أكثر عروض الاتصالات والانترنت إما مدفوعة سلفاً أو محددة قيمتها سلفاً ولا يؤثر إغلاق الهواتف على العائدات المالية، إلا إذا قرر المشتركون إلغاء اشتراكاتهم أو تخفيض قيمتها.
حملات المقاطعة ربما تذكّر الحكومة بأن عليها مسؤولية تقديم حلول للأزمات تتجاوز رفع الأسعار وفرض الضرائب، وتوجه الحكومة لوضع سقف للرواتب (3500) دينار خطوة بالاتجاه الصحيح في ظل الحديث عن رواتب خيالية يتقاضاها مدراء في الحكومة ومؤسسات مستقلة، على أن لا يتوقف الأمر عند الراتب بل التدقيق في المكافآت وبدلات التمثيل لأنها أحياناً كثيرة تكون ضعف الراتب.
ملفات كثيرة يمكن أن ترفد خزينة الدولة ولا تقل استدامة عن الضرائب والرسوم وربما تقلص التشوهات الاقتصادية، مثل التهرب الضريبي، وتعديل قانون الضريبة ليضع اقتطاعات تصاعدية، وتشديد الرقابة على الهدر ومكافحة الفساد.
على الحكومة أن لا تراهن طويلاً على صبر الناس، وبأن انفعالاتهم آنية ولا تتعدى حدود "الفيسبوك"، وأن تمرير المعلومات وجس النبض بشكل مسبق كافٍ لقبول قراراتها وسكوت شعبها.
الغد 2017-02-12