مباراة بلا جمهور أو ثقافة!
أمر مؤسف فعلاً أن نصل إلى هذه المرحلة. لكن من الضروري –في الوقت نفسه- تأييد قرار اتحاد كرة القدم إقامة مباراة الفيصلي والرمثا، على استاد عمّان الدولي اليوم، بلا جمهور، نتيجة وصول الفريقين إلى الحدّ الأقصى للعقوبات، بسبب شغب الملاعب.
وفقاً لتقرير الزميل تيسير العميري (أول من أمس)، فإنّ شغب الجماهير أدّى إلى تكسير 1300 مقعد (في المدن الرياضية)، كلفة المقعد الواحد منها 18 ديناراً، في حال كانت المقاعد متوافرة في السوق المحلية. ومن المعروف أنّ هذه المقاعد جديدة، تمّ تركيبها ضمن عمليات التأهيل للمدن الرياضية لاستقبال بطولة العالم للفتيات، في كرة القدم، صيف العام الماضي!
كنتُ أشاهد مباراة من الدوري الأردني، مملة كالعادة، أقرب إلى لعب حارات وشوارع؛ لا علاقة لها بفن أو تكتيك، عالم آخر غير الذي نشاهده في البطولات الأوروبية (على أيٍّ!)، فتفاجأت في نهايتها بالجمهور يقوم بتكسير المقاعد وإلقائها على الملعب، لأنّ فريقه خسر! وبصراحة، شعرت أنّ قلبي هو الذي يتكسّر، لأنّنا كنا قبل ذلك سعداء بتأهيل الملاعب وتطويرها، بسبب البطولة العالمية، ولم يكن ذلك أمراً سهلاً، ثم ليأتي أشخاص بكل رعونة يكسّرون ممتلكاتنا جميعاً!
نظرياً، على الأندية التي قام جمهورها بتكسير المقاعد دفع كلفة ذلك، وهذا أمر جيد ومهم. لكن ما نتمناه أن يكون ذلك عملياً، حتى يقف المسؤولون والجماهير في وجه كل من يحاول القيام بذلك، ومحاسبته قضائياً وفق قانون العقوبات (ولا أظنّ أننا بحاجة إلى قانون خاص بشغب الملاعب، فقانون العقوبات يمكن أن يسد هذه المساحة التشريعية).
مباراة أخرى أيضا انتهت إلى محاولة بعض اللاعبين ضرب الحكم والاعتداء عليه، ثم انتقلت المعركة إلى المنصّة، فضلاً عن الهتافات البذيئة من الجمهور. ولا أعرف مصير اللاعب الذي كان يتفلّت على الحكم، لكن أظن أنّ العقوبة الدنيا التي يستحقها حرمانه من اللعب بقية الموسم الحالي!
دعونا نتوقف عن المجاملات والكلام الجانبي الخجول، فلدينا مشكلة حقيقية ثقافية، بالدرجة الرئيسة، في التعامل مع عالم كرة القدم؛ ثقافة أندية بعضها عبارة عن ممتلكات خاصة، وثقافة جماهير، وثقافة قطاع خاص ومجتمع يتابع الكرة العالمية في كل يوم، لكنّه لا يفكّر في تغيير الواقع المحلي، ولا أن يبذل أي مجهود في ذلك، بخاصة عندما نتحدث عن الأطفال الصغار الذين يبدأ بهم التغيير، فقليلة هي الأكاديميات المحترفة والأندية المهتمة بهذا المجال المستقبلي!
ذهبت برفقة ابني مرات متعددة (مع نادي "Amman FC" لكرة القدم للناشئين؛ وهو بالمناسبة من الأكاديميات المحدودة التي تمتلك مرافق رياضية متطورة)، للتدريب ولعب مباريات ودية مع فرق إسبانية عريقة. وقد صُدمنا نحن الأهالي بحجم "البنية التحتية" والاهتمام الشديد من قبل البلديات والأندية بالجيل الصغير، وبالثقافة الاجتماعية العالية المساندة لهذه الرياضات.
النادي الذي وقع على مذكرة تفاهم مع نادي "Amman FC" هو نادي فياريال العريق في إسبانيا (بالقرب من مدينة فالنسيا). والمدهش كان أنّ النادي يقع في بلدة صغيرة، أصبحت مشهورة بفضل النادي الذي يحتوي على مرافق هائلة؛ فندق مع ملاعب، وستاد ضخم، و"بيزنس" حقيقي مرتبط بهذه الصناعة (الفوتبول).
سمعت من المدرب الخبير عدنان حمد كلمة عميقة بهذا الخصوص، إذ قال لي: "إذا لم تتحول كرة القدم إلى بيزنس لن تنجح في بلادنا". لكن إلى حين ذلك، ولتنمية الثقافة الصحيحة، فإنّنا بحاجة إلى مؤسسات وقطاع خاص يدركون أهمية الرياضة عموماً، ويدعمونها بوصفها ثقافة أساسية وليست أمراً ثانوياً، ويساهمون في تطوير هذه الصناعة اقتصادياً وثقافياً!
الغد 2017-02-17