"الحية والسلم" الفلسطينية الإسرائيلية الأميركية
انشغل جزء من الإعلام العربي والفلسطيني يوم الخميس الماضي بموضوعات تمس الفلسطينيين. لكن هذا الإعلام انقسم في اهتماماته بين أربعة ملفات. أولها، توزيع حركة "فتح" للمهام في لجنتها المركزية، وانتخاب نائب رئيس جديد للحركة، مقابل عدم تحديد أي مهمة للفائز بأعلى الأصوات في الانتخابات الداخلية للحركة؛ مروان البرغوثي. والملف الثاني هو تصريحات الرئيس الأميركي بشأن حل الدولتين. والثالث، جلسة مجلس الأمن بخصوص المستوطنات. والرابع، الفعالية التي يصعب معرفة اسم لها؛ هل هي اجتماع أم مؤتمر، أم ماذا؟ التي أقامها المفصول من حركة "فتح" محمد دحلان، في مصر. وصعب على الإعلام الاهتمام بكل هذه الملفات مجتمعة، فلوحظ انقسام الفضائيات العربية، على سبيل المثال، على هذه الملفات.
إلى ذلك، وقبل شهر من الآن، عندما تسلم دونالد ترامب مهمته رئيساً للولايات المتحدة، كان الموضوع الذي يشغل المراقبين والمشتغلين بالشأن الفلسطيني الإسرائيلي هو: هل ينقل ترامب السفارة الأميركية للقدس؟ ثم تنبه مراقبون إلى أنّ الإسرائيليين يسرّعون بناء المستوطنات، ويريد جزء من سياسييهم ضم أجزاء من الضفة الغربية رسميا؛ وأنّ الإسرائيليين أكثر اهتماماً بالمستوطنات على ما يبدو من السفارة، فصار الاهتمام بما يقوله ترامب عن المستوطنات. وبالتوازي مع لقاء بنيامين نتنياهو، فإنّ ما خطف الأضواء والاهتمام تصريح ترامب أنه يمكن أن يتعايش مع حل غير "حل الدولتين"، مثل الدولة الواحدة، وأن المهم هو ما يقرره الطرفان، فيما خفت أو توقف الحديث عن نقل السفارة.
وقبل مضي 24 ساعة على تصريح ترامب الذي شغل الإعلام، وصوره كثيرون على أنّه تراجع عن حل الدولتين، كان ديفيد فريدمان، الشخص الذي اختاره ترامب سفيراً لواشنطن لدى الإسرائيليين، الأميركي الصهيوني المحبذ والناشط في دعم الاستيطان، المتحمس لنقل السفارة للقدس، حيث يمتلك بالفعل شقة سيقيم فيها، والذي طالب خمسة سفراء أميركيين سابقين وهيئات أميركية منها "الاتحاد الإصلاحي لليهودية"، واللوبي الإسرائيلي المعروف باسم "جيه ستريت"، التراجع عن تعيينه، ويحضون مجلس الشيوخ على عدم قبول تعيينه بسبب مواقفه المؤيدة للاستيطان، ومواقف سياسية سابقة ضد الرئيس الأميركي باراك أوباما، كان فريدمان يتبنى موقفا آخر، ويقول في جلسة الاستماع أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، إنّه "سيسعد" إذا قامت دولة فلسطينية مستقلة. وزعم أنّ مواقفه السابقة سببها رفض الفلسطينيين نبذ الإرهاب ورفضهم الاعتراف بيهودية الدولة. وبالمثل، قالت سفيرة الولايات المتحدة للأمم المتحدة، إنّ بلادها "بالتأكيد" تدعم حل الدولتين.
يعكس هذا التشتت والتغير في القضايا التي يجري تناولها، حالة عدم اليقين والتردد وفقدان الاستراتيجية التي صاحبت وتصاحب انتخاب وتسلم الرئيس الأميركي موقعه، بما في ذلك الصعوبات التي تواجهه في تعيين مساعديه، واستقالة مستشاره للأمن القومي، وتراجع مرشحه لمنصب وزير العمل. ويعكس أيضاً موقف الدفاع والترقب الذي تعيشه القيادة الفلسطينية.
إذا كان الانزلاق من ملف لآخر هو لعبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من مثل الهرب من الحديث عن المستوطنات إلى الهجوم على حكومة إيران، بينما ينسق في الوقت ذاته أموره مع موسكو التي تعمل مع الإيرانيين في سورية براحة؛ أو من مثل هربه من الحديث عن التفاوض مع الفلسطينيين إلى الحديث عن تعاون وسلام مع ما يسميه الدول السنيّة العربية، فإنّ هناك ما يكفي للاستنتاج أن نتنياهو هو الأكثر امتلاكاً الآن لاستراتيجية يتمسك بها، بجانب سعيه إلى تجاوز مشكلاته الداخلية مع القضاء الإسرائيلي. وهذه الاستراتيجية هي الحفاظ على سياساته القديمة من دون خطوات درامية، من مثل نقل سفارة أو ضم الضفة الغربية. فهو يريد الاستمرار بسياسة فرض الأمر الواقع على الأرض والهرب من مفاوضات حقيقية قدر الإمكان. إذ إن استمرار الاستيطان بأقل ضجة ممكنة، واستمرار التهويد في النقب والجليل، هي السياسة المفضلة؛ فهي تعني استمراره بالتقدم باطراد نحو المزيد من فرض الوقائع على الأرض التي تجعل كل الحراكات السياسية في مجلس الأمن، وكل التصريحات الدولية المنزعجة من الاستيطان والاحتلال، بلا معنى، طالما ظلت في إطار البيانات اللفظية من دون أي مواقف سياسية أو اقتصادية.
الغد 2017-02-21