"إن شاالله استفدت"
لا يكاد يمر يوم واحد، إلا هناك تصريحات رسمية عن أهمية تشجيع الإبداع والفن وتطوير الثقافة والريادة، ودعم المبدعين والمثقفين والفنانين والإعلاميين... إلى ذلك من الديباجة المعروفة. وطبعا هذه الديباجة تكون دائما في البيانات الحكومية التي على أساسها تنال الحكومات ثقة البرلمان. وطبعا، أيضا، فإن الوزارات والمؤسسات المعنية، تقدم كل عام كشف حساب بإنجازاتها يتضمن دعما من قبلها للكثير من المبدعين والمثقفين والفنانين وغيرهم، ويتضمن أبرز الإنجازات التي تحققت جراء هذا الدعم. نعم، فنحن على المستوى اللفظي، لا نشكو من شيء، والإبداع عندنا متقدم، والمبدعون يعيشون في ظروف تشجيعية لا مثيل لها. ولكن عمليا وعلى أرض الواقع، هناك معاناة حقيقية بكل ما تحمل الكلمة من معنى. فالمبدعون بكل المجالات يعانون، من أجل تحقيق أهدافهم وتطلعاتهم. والعقبات لاحصر لها. وهناك من يتفنن بوضع العقبات والتعقيدات أمام الإبداع والمبدعين، لإحباطهم، ولمنعهم من تحقيق ما يصبون إليه، وما يطمحون لتحقيقه. طبعا، هذا لا يعني عدم وجود جهات، أو أفراد يعملون فعلا لدعم الإبداع والمبدعين، ولكنهم قلة، وهم أيضا يعانون، وتوضع بوجوههم العقبات لمنعهم من العمل براحة وبحرية.
مناسبة هذا الحديث، الجدل الدائر حول عدم عرض الفيلم الأردني " إن شاالله استفدت" للمخرج الأردني محمود المساد في دور العرض السينمائية الأردنية. فهذا الفيلم الأردني المدعوم من الهيئة الملكية الأردنية للأفلام، والذي نال جوائز عربية وعالمية، والذي يحظى بتقدير فني كبير، لم يعرض بعد في الأردن، وهناك أقوال أن الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع، منعت عرضه في الأردن، بالرغم من نفي المدير العام للهيئة المحامي محمد قطيشات ذلك. فبحسب قطيشات، لم يقدم القائمون على الفيلم طلبا للهيئة لعرض الفيلم في الأردن، ولذلك، فإنه لم يصدر أي قرار عن الهيئة بمنع أو السماح بعرض الفيلم. فيما يؤكد مخرج الفيلم المساد، أن الهيئة رفضت عرضه، وطلبت حذف ثلث المشاهد، ما يشوه الفيلم ورسالته.
إنه أمر غريب فعلا، عدم عرض الفيلم في الأردن مع أنه فيلم أردني بامتياز. أليس غريبا أن تكون هناك تحفظات على مشاهد في الفيلم واشتراط شطب وحذف مشاهد لعرضه، في هذا العصر التكنولوجي بامتياز؟ كما أليس غريبا، أن يعامل فيلم أردني متميز بهذه الطريقة؟ المفروض أن يعرض هذا الفيلم من دون أي رقابة، فالجميع، يعرفون موضوعه، وكيفية تناوله للقضايا المحلية، وخصوصا الفساد. لذلك، لا حاجة لشروط ومطالبات بحذف مشاهد، علما أن ما يقال عن الفساد في مواقع التواصل الاجتماعي أقسى بكثير مما يطرحه الفيلم الذي يتمتع بمستوى فني متميز وبطرح راق. المفروض، أن يجد الفيلم كل الدعم، وأن يعرض بدور السينما في الأردن جميعها، وأن يتاح للمشاهد الاردني مشاهدته في دور العرض المحلية، لا أن يشاهده على شبكة الإنترنت. علما أنه لا يمكن فرض رقابة على هذه الشبكة، وفي حال بقي المنع، فإن الفيلم سيعرض على الشبكة العنكبوتية وسيشاهده الأردنيون جميعا. ولكن هذا ليس الأسلوب المناسب، فالأسلوب المناسب أن يعرض بدور السينما الأردنية ويحظى بالدعم الأردني كاملا.
الغد 2017-02-25