التوافقية مفتاح حل الأزمة الاقتصادية

تم نشره الأربعاء 01st آذار / مارس 2017 12:48 صباحاً
التوافقية مفتاح حل الأزمة الاقتصادية
مروان المعشر

معضلة الأزمة الاقتصادية أكبر بكثير من محاولة الحكومة تحصيل أربعمئة وخمسين مليون دينار إضافية من المواطنين؛ فهناك، مثلا، مبلغ إضافي مواز يجب تحصيله العام المقبل، ومثله العام الذي بعده. لدينا تحد اقتصادي لم يعد بالإمكان حله بـ"القطاعة"! 
صحيح أن أي حكومة ستضطر إلى مواجهة هذه الأزمة بغض النظر عن الأسباب التي أدت إليها. وصحيح أيضا أن كل إجراءات التقشف الحكومي، وكل الأموال التي نهبت لو استرجعت، لن تمكّن من حل هذه الأزمة. إذاً، ما العمل إن أردنا تخطي هذا الإسراف في الإنفاق الجاري الحكومي والتركيز على مشاريع رأسمالية تخلق فرص عمل حقيقية؟ ما السبيل إلى تحقيق اقتصاد ذاتي النمو، بينما نشهد فناء سراب استمرار المساعدات الخارجية التي تذهب لدعم الموازنة بالمستويات الحالية؟ 
تتكلم الحكومة عن شجاعة القرار برفع الأسعار وعدم الانصياع للشعبوية. وأنا أتفق مع الحاجة إلى شجاعة القرار، شرط أن نعرف معنى الشجاعة. فإن كانت الشجاعة هي أخذ القرارات الاقتصادية من دون الالتفات إلى رأي أو جيب المواطن، فهي شجاعة منقوصة وغير مستدامة؛ إذ من غير الممكن الاستمرار في هذا النهج السنة المقبلة والتي بعدها. وإن كانت الشجاعة تمرير الموازنة في مجلس النواب، فهي شجاعة مغلوطة، لأن مجلس النواب لا يحظى، وللأسف، بشعبية كبيرة لدى الناس. 
نعم، نحتاج إلى شجاعة القرار. وحتى تكتمل هذه الشجاعة، لا بد أولا من مصارحة الناس، بشكل مباشر ويومي، بحجم الأزمة، وما تنوي الحكومة فعله؛ حتى يقتنع المواطن أن هناك ضوءا في آخر النفق. والمصارحة هذه لا تأتي عن طريق الأسلوب التلقيني في الشرح، ولكن عن طريق المحاورة الدائمة وفتح باب النقاش في وسائل الإعلام الحكومية، والسماح للآراء المغايرة بمناقشة الحكومة في سياساتها مناقشة نقدية جدية، تطال الجوانب كافة، بما في ذلك النظام الريعي، والامتيازات الممنوحة التي تساهم في زيادة المشكلة وليس حلها، والإجراءات التي تنوي الحكومة اتخاذها لمحاربة الفساد محاربة منهجية ومستدامة غير انتقائية.
نعم، نحتاج إلى شجاعة القرار. وحتى تكتمل هذه الشجاعة، من الضروري أن يكون المحاورون ممن يمتلكون القدرة على الإقناع، وممن يحظون بمصداقية في الشارع، وممن يتقبلون الرأي والرأي الآخر، ويستخدمون المنطق والأرقام والخطط ويعترفون بالأخطاء، فلا ينتظرون الفرج عن طريق المعجزات، بل يخططون لهذا الفرج.
نعم، نحتاج إلى شجاعة القرار. وحتى تكتمل هذه الشجاعة، من الضروري استخدام الأسلوب الذي طالما تجنبناه، وهو التوافقية. لقد أصبح جليا أنه ليس هناك من خطة حكومية تحظى بمصداقية عالية ضمن الظروف الحالية. وأصبح من الواضح أيضا عدم إمكانية استمرار اعتمادنا على المساعدات الخارجية إلى ما لا نهاية. ليس لنا إلا أنفسنا منذ اليوم. ولكن أنفسنا لا تعني الحكومة فقط، وإنما المجتمع. وحتى يسير المجتمع في هكذا مشروع، عليه أن يقتنع أنه شريك، وأنه يعامل كشريك في التخطيط كما في التنفيذ؛ يُطلَب رأيه عند التخطيط وليس جيبه عند الأزمات، وأنه شريك أيضا في تطوير نظام من المراقبة والمحاسبة الحقيقيين لضمان التنفيذ ومحاسبة المقصرين والفاسدين. 
أدرك أن هذا صعب التنفيذ، وأن الناس ما عادوا مقتنعين بعد أن وُضعت كل الخطط التوافقية السابقة على الرّف. لكن ما يجب إدراكه أيضا هو أن تحديات المستقبل لن تعالجها حلول الأمس. صحيح أن حل الأزمة الاقتصادية سيتطلب تضحيات كبيرة، لكن حان الوقت لإدراك أن أحدا ما عاد يقبل مزيدا من التضحيات ما لم يتحقق قدر معقول من التوافق المجتمعي، وما لم يتم تطوير جهد حقيقي لتجسير هوة الثقة بين المواطن والحكومة.

الغد 2017-03-01



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات