ترامب وإيران والقضية!
تنهمر التصريحات والخطابات التي تظهر حجما كبيرا من العداء لإيران والغضب من سياساتها من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأركان في إدارته الجديدة. وهي المواقف التي خلقت "ارتياحا" وقبولا لدى حكومات عربية كانت تخشى من "صفقة إيرانية-أميركية" على حسابها، بخاصة بعد توقيع الاتفاق النووي بين طهران من جهة وواشنطن والدول الغربية من جهة ثانية.
لكن إلى أيّ مدى يمكن –بالفعل- أن ينعكس ذلك "الخطاب السياسي" الأميركي الجديد على أرض الواقع في مواجهة إيران؟ وهل بالفعل يمكن أن يأخذ أبعادا عسكرية، كما توقع بعض الكتّاب الغربيين، أو ربما تشكيل قوة "ناتو" عربية مدعومة أميركيا، كما دعا آخرون إلى ذلك؟
ليس من المنطقي تجاهل تلك التصريحات أو الاستخفاف بها، فهي –في الحدّ الأدنى- تظهر توجّهات جديدة معاكسة للتوجهات التصالحية من قبل إدارة الرئيس باراك أوباما تجاه إيران. لكنّ في الوقت نفسه فإنّ هذه التوجهات تصطدم بوقائع على الأرض صلبة وقوية مرتبطة بتنامي النفوذ الإيراني في المنطقة بصورة غير مسبوقة، في كل من العراق وسورية، وفي حال أرادت الإدارة الأميركية الذهاب نحو سيناريو "المواجهة" فستجد نفسها عالقة بين تناقضات كبيرة في هاتين النقطتين الساخنتين (العراق وسورية)، في حال أخذنا بعين الاعتبار الأولوية الرئيسة للرئيس ترامب وهي القضاء على "داعش"!
في العراق، فإنّ الحرب على "داعش" تقوم على تحالف –غير مباشر- بين الإدارة الأميركية وإيران، من خلال الميليشيات المقربة من طهران، التي تلقى دعما إيرانيا، وتوالي قاسم سليمان، زعيم فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني. ومن دون هذه الميليشيات لا يمكن القضاء على "داعش"، والاصطدام بإيران يعني إعلان "الحرب المفتوحة" على هذه الميليشيات، وهو سيناريو خيالي!
لا تختلف الحال في سورية كثيرا، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التحالف الإيراني-الروسي الداعم لنظام الأسد. فروسيا لن تتخلى عن إيران، والإدارة الأميركية تحاول بناء تفاهمات مع الروس من أجل الوصول إلى حلول توافقية، وقبل ذلك تثبيت وقف إطلاق النار. وهناك تحول جوهري في السياسات الأميركية والغربية من مسألة بقاء النظام السوري، وجعل الأولوية قتال "داعش" و"النصرة" هناك، فضلاً عن شكوك الإدارة الأميركية في "البدائل" الحالية للنظام السوري.
يبقى اليمن –كما توقع مقال في مجلة "فورين بوليسي"- ليكون ساحة ردع إيران من قبل الرئيس ترامب. وهي، أولا، ساحة جانبية في الشرق الأوسط؛ وثانياً، ثمة أسئلة وعلامات استفهام كبيرة فيما يمكن أن تقوم به الإدارة الأميركية في هذا الصدد، أكثر من دعم عسكري لوجستي للتحالف العربي.
في الخلاصة؛ نفوذ إيران يستند إلى شبكة تحالفات ومصالح وقوى على الأرض، ورهان العرب على ترامب لقلب المعادلة هو رهان فاشل وغير واقعي. لكن الخشية هنا أن تستثمر حكومة بنيامين نتنياهو الهواجس العربية والأوهام المرتبطة بعداء ترامب لإيران من أجل خلق تقارب عربي- إسرائيلي بغطاء أميركي، بحجة مواجهة النفوذ الإيراني، والخاسر الأكبر سيكون –بالضرورة- هو القضية الفلسطينية!
أي تحالفات أو تقارب عربي مع إسرائيل بذريعة إيران سيكون على حساب القضية الفلسطينية بالتأكيد، بخاصة مع تصريحات ترامب المقلقة عن "سيناريو حلّ الدولتين"، أو عن قراره "المؤجل" بنقل السفارة الأميركية إلى القدس. والطامّة الكبرى أنّ دعوى الموقف ضد إيران هي مجرّد وهم كبير لا قيمة جوهرية له على أرض الواقع، ولن تكون النتائج إلا مزيدا من الخسائر والجروح العربية!
الغد 2017-03-06