أزمة في الثقافة..!

تم نشره الأحد 12 آذار / مارس 2017 12:44 صباحاً
أزمة في الثقافة..!
علاء الدين أبوزينة

تكشف مجموعة من الظواهر المحلية عن إصابتنا بوضوح بأزمة عميقة في الثقافة بوصفها "الطريقة الشاملة للحياة" بتعريف رايموند وليامز. وقد تركز الانتباه الإعلامي في الآونة الأخيرة على جملة من المسائل، منها المشكلات التي تعاني منها السياحة، ومشكلة الحوادث القاتلة على الطرق، ومشكلة النقل، ومشكلة العنف الاجتماعي والاختلالات السلوكية وسوء التعامل الاجتماعي.
في السياحة، التي يفترض أن تكون مصدراً استراتيجياً لدخل بلدنا، تعاني المرافق السياحية من سوء الخدمات، ومنها رداءة المرافق الصحية، وجور الناس على المواقع بملئها بالقاذورات والقمامة، وعدم وجود صلة عاطفية وعملية ودية بين المواطن وإرثه الأثري الوطني. وفي السير على الطرق، يمارس عدد يعتد به من المواطنين كل أنواع المخالفات والانتهاكات وخرق القوانين، بما يؤدي إلى قتل أنفسهم وغيرهم ممن لا ذنب لهم سوى المغامرة بالسير على الطريق. وفي النقل، ما يزال البلد عاجزاً عن اجتراح نقل عام لائق يخفف معاناة المواطنين ويقلل الحاجة إلى السيارات الخاصة ويصل بالناس إلى وجهاتهم آمنين. وفي العنف، حدث ولا حرج، في الجامعات والشوارع والقرى والحارات. وفي الاختلالات السلوكية، تسود أنماط الاعتداء على حق الآخر ومصادرة حصته، من سرقة فرصته بالواسطة، إلى أخذ دوره في المخبز، إلى التنمر عليه في الطريق والتسابق لكي يكون الكل في الأمام... وهكذا.
وفي التجارة أيضاً، بالمناسبة. إنك تكاد لا تثق بأن يبيعك التاجر بنوعية وسعر يراعي مصلحته وحاجاتك بلا زيادة أو نقصان. وتحس غالباً بالريبة والشك الواخز بأنك قد تكون عرضة للغش. وإذا اشتريت شيئاً، حتى من شركة كبيرة، فإنهم كثيراً ما يتأخرون عليك في التسليم، أو لا يفون بشروط الصيانة والكفالة ويتهربون منها، أو يبيعونك سلعة يعرفون أنها مضروبة، لكنهم يُخفون ذلك عنك بمكر ثعلب. وإذا احتجت فنياً ليصلح لك شيئاً، فإنك تشك بأنه يستغلك ويدّعي وجود خلل قد لا يكون موجوداً في الشيء المراد إصلاحه، لمجرد رفع الكلفة عليك بلا لزوم.
هل هذا الوصف حقيقي وملحوظ لدينا؟ إذا كان كذلك، فإنه يؤشر على "طريقة حياة" –أي ثقافة- تعاني من اختلالات عميقة وأزمة. وسوف يحيلنا دائماً إلى مقارنة نكون فيها خاسرين دائماً، مع أناس مثل اليابانيين مثلاً، الذين لا يمكن أن يلقي أحدهم قمامة في حديقة عامة أو شارع، أو يتعامل بلا تهذيب مع الآخرين، بدفع ذاتي غالباً من العادات الاجتماعية التي ترسخت فيه منذ ولادته. وسوف نتحدث عن التاجر الغربي الذي يقبل باستعادة سلعته لمجرد أنها لم تعجبك، بعد أشهر أحياناً، وهو يعرف أنك استعملتها، ويعيد لك الثمن وهو يحسُّ أنه لم يخسر في نهاية المطاف ما دام سلوكه لا ينفّر الزبائن.
من الواضح أن كل هذه الأنواع من الممارسات تؤشر على نمط اجتماعي ضار بأصحابه، وعلى فشل الجهات ذات السلطة والأدوات في تخليق اتجاهات اجتماعية إيجابية تُصلح هذه العيوب الفتاكة مع الزمن. وعلى سبيل المثال، ليس المواطن هو المسؤول عن المرافق الصحية اللائقة والشكل الجذاب والتعامل الراقي مع السياح في الأماكن السياحية. كما أن هناك فشلاً في وضع سياسات تصنع الوعي الضميري والوشائج بين المواطن والقطعة الأثرية التي يمتلكها هو وبلده. إنه لا يعرف الصلة بين ثقافته السياحية واحترامه للمكان والزوار، وبين العائد المادي الوطني الذي ينعكس عليه شخصياً، وعلى مواطنيه من العاملين في الخدمات السياحية. لذلك يشتكي لي عجوز ألماني وزوجته من أن عامل كازية تقاضى منهما عن ملء كامل خزان سيارتهما السياحية، ليضيء ضوء فراغ الخزان فقط لدى وصول فندقهما على بعد بضعة كيلو مترات داخل عمان الغربية.
والمواطن الذي ينتهك قوانين السير، فيتجاوز السرعة ويتجاوز خطأ ويدوس رقاب شركائه في الطريق، لا يستطيع أن يفهم أنه قد يقتل آخرين وييتم أطفالهم، بل وأطفاله هو. ومخطط النقل لا يريد أن يفهم قيمة وقت الناس والوفر في الوقود وكفاءة الطرق والحوادث وما شابه. والتاجر لا يدرك ضرر الغش على سمعته، وهكذا.
أزمة الثقافة التي تفتك بنا هذه، مسؤولية التعليم والإعلام والمثقفين وواضعي السياسات. ويبدو حاصل جمع عملهم "طريقة حياة" متوترة وأناسا فاقدي الصلة. فمن ينتبه؟!

الغد 2017-03-12



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات