ألعن أبو العالم الإفتراضي
فجأة هبط علينا من لاأدري من أين عالم جديد حافل مثير للدهشة والإعجاب، لكنه صادم، يمكن تشبيهه بالسموم البيضاء التي هي ليست سموما لكنها تتحول الى سموم وفقا لطريقة تناولها، وأعني (السكر والملح وأكيد العرق الزحلاوي) الذي يشبه لون الفضة، لكنه يتحول الى الأبيض الناصع كاللبن، أو الحليب بمجرد أن يضاف إليه بعض الماء ليتم تخفيف تركيزه قليلا، ويكون سائغا رائقا لمن يحتسيه، وهو في النهاية سم رعاف ببطن المحتسي.
عوالم (فيسبوك تويتر أنستجرام تانغو فايبر واتساب) وغيرها من مسميات لعالم وهمي إفتراضي لاتعرف فيه البنوتة من العجوزة، ولا النصاب من بائع الكباب، ولا الراعي من الداعي، ولا النايم من الصاحي، ولا الوزير من الغفير، ولا الرئيس من الخسيس، ولا الليل من النهار، ولا المرأة من الرجل، ولا لمتزوجة من العانس، ولا الأرملة من المطلقة، ولا الكبير من الصغير، ترى فيه وجوه النساء بغير وجوه، وأسماءهن بغير أسماء، وكلماتهن غير الكلمات، جمالهن جمال الغانيات، وحقيقتهن حقيقة الفانيات. يريك العجب وفي حقيقته عطب، فلاتفهم إلا القليل من أخباره، ولا تتطلع إلا على القليل من أسراره. يتحكم فيك الأبعدون، ويلعبون بك كيف يشاؤون، ويأنفك الأقربون وهم بقربك يسكنون وكأنهم يجهلون وأنت مثلهم كلكم ضائعون. تغيب عنكم المعرفة لأنها لاتتيح لكم الإبتكار فتنسخون الكلمات، وتدعون الهوايات، وتتحدثون بالكبير من الكلام، وتفخمون الصغير وذلك هو عالمكم الإفتراضي الذي لاترون بعضكم البعض فيه، بل تعيشون على هواء الإشارات، وتتزودون بالشعارات والعبارات، وحظكم فيه قليل وبلاؤكم طويل.
الكآبة مرض العصر الذي يلد على صفحات الفيس بوك وتويتر، وهناك الكآبة السوداء والزرقاء، وهناك الكلمات الناعمة التي لاتلمسها، فهي لاتقترب منك إلا همسا، ولاتمسك بيدك منها شيئا، فإذا كنت جائعا فستظل كذلك، وإذا كنت عريانا فلن يأتيك أحد بلباس، فأنت مستمتع لاه عن الدنيا، ولاتنشغل سوى بماتراه على الشاشة الصغيرة، أو الكبيرة كأنك مريض ومدمن، ولاترى ولاتسمع غير مايفترضه عليك الفيس بوك، ومافي فضاء الأنترنت من أفق مفتوح لكنه يؤدي الى هاوية لاتراها، ولاتعرف حدودها، وقد تضيع فيها، وكم من بيوت خربت، ونفوس صدمت بفعل مافي الأنترنت من بلاوي زرقاء وحمراء خاصة في المجتمعات التي تحتفظ ببعض التوازن، وتعتمد الدين والعشيرة والعرف والتقاليد. إذ إن أهل الغرب لايضيرهم مايفعلون لأنهم يعيشون بقوانين غير القوانين التي نعيش وليتها قوانين الطبيعة المعتادة، بل هي قوانين البشر التي تصلح في مكان، ولاتصلح في غيره، وأنتم لهذا تدفعون الثمن، فلاتنتجون بل تستمتعون، وبعد مدة يتحول الإستمتاع الى ضياع، ونهاية مأساوية مزعجة.