أبو الغيط :الفكر المتطرف هو العدو الأول للتنمية في المنطقة
المدينة نيوز :- قال أمين عام جامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، إن الأزمات والنزاعات المسلحة المتفشية في المنطقة تشكل ضغطا كبيرا على الموارد المطلوب توجيهها للتنمية، وتضع على كاهل الدول أعباء استثنائية غير مسبوقة، وتضع بلدان المنطقة كلها في مواجهة استحقاقات صعبة في المستقبل، سواء فيما يتعلق بمسألة اللاجئين، أو إعادة الإعمار، أو تراجع مُعدلات النمو.
وأكد ابو الغيط تقديره العالي من الدول العربية للدول التي تستضيف اللاجئين الذين فروا من ويلات الحروب، وفي مقدمتها الأردن، وأهمية مساندة هذه الدول التي تضرب المثل الحي على أن "العروبة فعل وعمل وليست مجرد شعار أو كلام".
وأضاف، "علينا جميعا أن نشعر بالمسؤولية الجماعية إزاء أزمة اللاجئين الخطيرة التي تهدد مستقبلنا المشترك، حيث أن هناك 8ر2 مليون طفل سوري في سن الدراسة لا يرتادون المدارس، وآخر ما نرغب به هو أن ينشأ في ربوعنا جيل ضائع بلا ذنب اقترفه، ليصبح فريسة سهلة في المستقبل القريب للجماعات المتطرفة ودعاوى العنف والإجرام".
وأشار الى أن كل جهود التنمية العربية "لن تؤتي ثمارها إن لم تصاحبها صحوة فكرية ونهضة ثقافية؛ فالفكر المتطرف هو العدو الأول للتنمية في منطقتنا، وينشر الفرقة بين مكوناتها، ويحول بين الشعوب وبين اللحاق بعصرها، ويتعين أن تكون مواجهة الارهاب والتطرف عربية شاملة، وأن تقوم على استراتيجيات مشتركة وتنسيق مستمر بين الدول والحكومات، ليس فقط على الصعيد الأمني والعسكري، وإنما أيضا في مجالات التعليم والإعلام والعمل الاجتماعي".
وأكد أبو الغيط ان التحديات الاقتصادية والاجتماعية لها مكان الصدارة على أجندة الاهتمامات العربية؛ فالمواطن العربي بشكل عام مازال يشعر بانعدام الأمن الاقتصادي وثقته في المستقبل ضعيفة، وشعوره بضغط الأزمات الاقتصادية يتعاظم انعكاسا للتباطؤ على صعيد الاقتصاد العالمي، ولانخفاض أسعار النفط الذي تجاوزت أثاره الدول المصدرة لغالبية الدول العربية.
وبين في كلمته أن الحكومات العربية وضعت التنمية الاقتصادية هدفا أساسيا لها، وتبنت خططا طموحة تخاطب المستقبل، وتستهدف تغيير الهياكل الاقتصادية للدول العربية، وإصلاحها، والانتقال بها من مرحلة الركود والنمو البطيء إلى زيادة الإنتاجية والاقتصاد الموجه للتصدير ذي القيمة المضافة العالية، فضلا عن السعي لتنويع مصادر الثروة واستنفار الطاقات الكامنة في المُجتمعات، وبخاصة شريحة الشباب.
ولفت أمين عام جامعة الدول العربية إلى أن هذه الخطط والتوجهات تحمل بين طياتها أملا حقيقيا للمواطن العربي، "ذلك أنها تضع الاقتصادات العربية على أول طريق الإصلاح الشامل الذي يواجه جوهر الاختلالات القائمة منذ عقود في البنية الاقتصادية للدول العربية، وأخطرها على الإطلاق القطاع العام المتضخم ضعيف الانتاجية، والعجز عن جذب الاستثمارات الأجنبية، وتفشي النزعة الاستهلاكية، وضعف منظومة الرعاية الاجتماعية للفئات الأضعف والأكثر فقرا.
وقال إن بلدان العالم العربي تجد نفسها في سباق مع الزمن، حيث أن معدلات النمو السكاني في المنطقة كانت من بين الأعلى عالميا خلال الخمسين عاما الأخيرة، والأخطر أن دول المنطقة العربية تمر بطفرة ديموغرافية تجعلها الأكثر شبابا مقارنة بالمجتمعات الأخرى؛ حيث أن ثلث المواطنين العرب تقع أعمارهم بين 15و29 سنة، وهو ما يشكل كتلة كبيرة من السكان يتجاوز حجمها 100 مليون إنسان، وتمتاز بأنها الأوثق اتصالا بالعالم، والأكثر تعليما، والأشد تطلعا للمستقبل، مؤكدا أن الحكومات العربية لا تحتاج إلى ملاحقة هذا النمو السكاني فحسب، وإنما مطلوب منها التجاوب المستمر مع التطلعات المتزايدة للشباب.
واكد ان النجاحات التي تحققت على مدار العقود الماضية في تحسين مؤشرات التنمية الإنسانية للسكان ضاعفت من قدر تطلعات الناس وطموحاتهم، والتقدم في مجال تقنية الاتصال جعل الشباب أكثر وعيا بما يدور في العالم، ومن ثم أكثر رغبة في الحصول على المزيد من الفرص من أجل الترقي وتحقيق الذات.
واكد أن "هؤلاء الشباب هم أمل هذه المنطقة، وطوق نجاتها، فالاستثمار فيهم، وإتاحة الفرص أمامهم يمثلان التحدي الأكبر أمامنا، ويستدعي وجود نموذج تنموي جديد يكون على مستوى توقعات الشباب، وبقدر تطلعات الناس، ومنظومة اقتصادية تقود إلى توليد الثروة وتحفيز الابتكار وتفجير ينابيع الابداع والمغامرة"، لافتا الى أن "الشباب العربي ليس خاملا أو مستكينا، بل هو قادر على الابداع والعمل المنتج شريطة توفير البيئة الاقتصادية السليمة القائمة على المنافسة وليس الاحتكار، والبيئة التي تكافئ الإنجاز والابداع وليس التواكل والاعتمادية".
وأشار أبو الغيط إلى أنه، وبرغم بعض الإنجازات في مجال إتاحة الفرص التعليمية، خصوصا في مراحل التعليم الأساسي، فإن فجوة كبيرة ما زالت تفصل بين المنطقة العربية والمعايير العالمية فيما يتعلق بجودة التعليم، وفجوة مماثلة بين ما يكتسبه الشباب من مهارات ومعارف، وبين ما يحتاجه سوق العمل.
وقال، إن هذه الفجوات أدت إلى ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب بصورة ينبغي أن تشكل مصدر قلق لنا جميعا، حيث أن 29 بالمئة من الشباب العربي لا يجدون وظائف، مضيفا أن تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى أن بلدان المنطقة تحتاج إلى خلق نحو 60 مليون وظيفة خلال العقد المقبل كي تستوعب الداخلين الجدد إلى سوق العمل، منوها إلى أن مواجهة هذه التحديات تطلب التحرك بجدية على طريق الإصلاح وخلق النموذج التنموي الجديد الذي نصبو إليه.
واعتبر أن طريق الإصلاح صعب وينطوي على معاناة، ويتطلب صبرا، إلا أنه يظل الطريق الأقصر والسبيل الأنجع للوصول بمجتمعاتنا إلى بر الأمان الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي، مؤكدا أهمية الخطط الوطنية التي تمثل أساس عملية التنمية في كل دولة عربية.
وشدد على أن التكامل الاقتصادي العربي يدعم الخطط الوطنية ويعززها، ويسهم في ربط المنطقة بصورة أكبر بالاقتصاد العالمي، ويساعدها على تجاوز الآثار السلبية للنزعات الحمائية التي نرصد تصاعدها على نطاق عالمي، قائلا إنه ورغم كل ما تحقق على مسار الاندماج الإقليمي والتكامل الاقتصادي العربي، فإن النتيجة لا زالت أقل بكثير من المأمول؛ فالتجارة البينية العربية لا تتجاوز 10 بالمئة من مجمل التجارة العربية مع العالم، والمنطقة العربية تعد من أكثر المناطق في العالم من حيث تشدد السياسات الحمائية وانتشار العوائق غير الجُمركية، والحركة البينية بين الدول العربية، للأفراد والبضائع ورؤوس الأموال على حد سواء، ما زالت تخضع لقيود كثيرة ويمثل التخفيف من معظمها خطوة أولى على طريق التكامل الاقتصادي العربي.