تعميق أزمة روسيا ومواجهة بيونغ يانغ
نيكي هيلي منوبة أمريكا في الأمم المتحدة ومن على منبر الـ CNN صباح الأحد 9 نيسان الأحد؛ قالت بان اولوية الولايات المتحدة الأمريكية باتت الاطاحة بالاسد؛ معمقة بذلك من أزمة موسكو في سوريا؛ فالاسد هدف مشروع ودعم المعارضة السورية بات أمرا متاحا خصوصا بعد اعطاء الكونغرس الأمريكي الرئيس ترمب تفويضا بتقديم اسلحة متطورة للمعارضة السورية على رأسها الصواريخ المضادة للطائرات.
من جهة اخرى فان الكونغرس الامريكي دعا الى فرض مزيد من العقوبات على الاسد؛ ودعا الى تشكيل محكمة دولية لملاحقته كمجرم حرب؛ مشددة الخناق عليه باعتباره الحليف الاساسي ومحور الارتكاز لسياسات موسكو في المنطقة والورقة الرابحة التي استعملتها على مدى الاعوام الست الماضية لتعزيز حضورها في الساحة الدولية.
وبتحويله الى هدف رفعت واشنطن كلفة التحالف الروسي مع بشار الاسد وكلفة التواجد الروسي في المنطقة، مهددة موسكو بفقدانها لكافة الانجازات التي حققتها خلال السنوات الثلاث الماضية في الساحة وبيئتها الاقليمية؛ ليتحول الوجود الروسي في سوريا الى فخ يستنزف الروس ويدخلهم في متاهة صراع طويل وحرب استنزاف؛ مغلقة الباب على الحلول السياسية والمناورات التي مارستها موسكو وبذلت فيها جهدا وموارد كبيرة على مدى العامين الماضيين.
البداية المتواضعة في مطار الشعيرات العسكري تناسب طبيعة الخصوم وامكاناتهم المتواضعة الا انها تمثل تحولا كبيرا لروسيا في الساحة الدولية، ورسائل قوية للعملاق الصيني الصاعد في آسيا والعالم والذي أبدى تفهما للضربة بحسب تصريحات تيلرسون في اعقاب المؤتمر الصحفي الذي عقد في منتجع تايدلاين في فلوريدا، اذ أطلع الصحفين الذي تساءلوا عن رد فعل الرئيس الصيني على الهجمات الصاروخية بالقول ان الرئيس الصيني «أعرب عن امتنانه للرئيس لأنه أخبره بما يحصل وبالأساس المنطقي لذلك، وبحسب ما قيل لي، أشار إلى إنه يدرك أنّ الرد المماثل ضروري عندما يُقتل الأطفال»؛ فأمريكا استخدمت الاسد بذات المهارة والفاعلية التي استعملت فيها روسيا الصراع السوري ونظام الاسد لتأكيد حضورها الدولي وتعظيم صورتها كقوة عظمى تذكر بالاتحاد السوفيتي السابق؛ فواشنطن قادرة على ادارة الصراع من خلال التعاون مع حلفائها في المنطقة بفاعلية اكبر من روسيا وعلى ادارة علاقتها ببكين بذات الفاعلية؛ فالكرة اصبحت في ملعب موسكو لتقرر السياسات المناسبة لها في الساحة الدولية.
روسيا لا تملك حلفاء حقيقين في سوريا او الاقليم او حتى الساحة الدولية، ونجاحها تم على هامش التجاهل الامريكي طوال الاعوام الخمس الماضية؛ بحثا منها عن تفاهمات او تجنبا لمواجهة تدخلها في اتون صراعات اهلية دفعت ثمنا باهظا لها على مدى الاعوام الخمسة عشر الماضية؛ فنجاح روسيا ليس بفعل قوتها الذاتية او قوة تحالفاتها في المنطقة بل بفعل التجاهل الامريكي؛ فالاسد تحول ببساطة من ورقة رابحة الى ورقة مكلفة وعبء على ادارة بوتين وبضربة واحدة.
رغم اهمية سوريا في المعادلة الدولية وفي تقرير موازين القوى الدولية الا ان جنوب شرق آسيا تعد الساحة الاكثر خطورة؛ في ظل تطوير كوريا الشمالية لقدرات نووية وصاروخية كبيرة؛ فلا مجال لمقارنة الاسد واسلحته الكيميائية ببيونغ يانغ وزعيمها وقدراتها النووية؛ والذي يحظى بدوره بدعم روسي كبير في مقابل تحفظ صيني على سياسته.
فتحريك حاملة الطائرات الأمريكية كارل فنسنت تجاه كوريا الشمالية واقترابها من سنغافورة بما يحمله التحرك من تهديد ووعيد لبيونغ يانغ في حال اجرائها لتجربة نووية جديدة؛ ترافق مع رسالة واضحة للرئيس الصيني تركز على ضرورة ضبط سلوك بيونغ يانغ والا فان امريكا ستتحرك بشكل منفرد؛ وبشكل اكثر عنفا وتأثيرا مما حدث في سوريا مسألة عكسها تحرك حاملة الطائرات الامريكية كارل فنسنت؛ والاستعراض الامريكي في الشعيرات اثناء تناول الرئيس الصيني للعشاء في فلوريدا.
امريكا تعمل على اظهار قوتها الصلبة واستعراضها بل واستخدامها لمواجهة التهديدات المتصاعدة التي تواجهها مع حلفائها في جنوب شرق اسيا وشرق اوروبا تحدديا؛ واضعة قواعد جديدة للعبة الدولية تقررها القوة العسكرية والقدرة على التهديد بها واستخدامها؛ فهل تتجنب الصين المواجهة من خلال الضغط على بيونغ يانغ؛ ام انها ستترقب نتائج المواجهة التي طال انتظارها بين امريكا وكوريا الشمالية؟ مواجهة ستزيل كوريا الشمالية من دائرة الخطر ولكنها تفتح الابواب لنمط جديد من العلاقات الدولية ترفع فيها جدران عالية بين القوى الدولية والاقليمية مهيئة الظروف لمزيد من الصراعات التي لن تتوقف عند حدود معروفة او معلومة؛ صيرورة تاريخية لا تعرف التوقف لجدلية القوة والصراع الدولي؛ امر على العرب إدراكه واتقان التعامل معه؛ فالصراعات الدولية تحمل مخاطر ولكنها ايضا تحمل فرصا ذهبية لمن يتقن استثمارها جيدا.
السبيل 2017-04-10