المسيحيون والأقباط ملح الشرق
يوماً بعد يوم تتكشف مؤامرة التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها داعش والنصرة ومن يدعمهما ويمولهما ويؤمن لهما الرجال والعتاد والمال والفضاء الإلكتروني، فأولئك ينفذون أجندات مموليهم، ورغبات أسيادهم.
الأحد الماضي، وفي أحد الشعانين الذي يحتفل به المسيحيون، والذي يأتي قبل أسبوع من عيد الفصح المجيد، ضرب تنظيم "داعش" الإرهابي في كنيستين مصريتين في الاسكندرية وطنطا، وأوقع ضحايا وجرحى. قبلها كان التنظيم يضرب في كنائس سيناء، وقبل كل ذلك اعتدى على كنائس في العراق وسورية وما بينهما فجر كنائس في القاهرة ودمشق، كما اعتدى على آمنين في المنطقة بأكملها.
ما يجري في الشرق، مؤامرة واضحة الرؤى، يخطط لها ممولو التنظيم الإرهابي، وينفذها على الأرض أعضاؤه الأغرار المضحوك عليهم من قبل أصحاب فكر منحرف أسود يرفضون الاعتراف بالآخر، ويكفّرون من يختلف معهم.
ببساطة؛ "داعش" ومن يقف خلفه يسعون لتهجير المسيحيين من أرضهم، التي سقوها وزرعوها وبنوها ورعوها منذ آلاف السنين، وإشعارهم بعدم الأمن على مستقبلهم ومستقبل عوائلهم جراء ما يجري، والذي يرعاه فكر منحرف نجد له بين ظهرانينا –للأسف- من يدافع عنه، كما نجد له مدارس فكرية ما تزال قائمة تغذيه وترفده بالفتاوى وغيرها، كما نجد له دعاة يستحضرون مسرودات تاريخية تدعم توجهاتهم.
اولئك الإرهابيون ينفذون خطة مزدوجة، تقوم أركانها على سهم بشقين، الأول السعي لتفريغ الشرق من ملح الارض (المسيحيين)، ودفعهم للهجرة من بلدانهم بحثا عن الأمن والأمان، وثانيهما إحداث فتن دينية في الاماكن التي يتواجدون فيها، وهذا حصل في العراق عبر تأجيج الفتنة السنية - الشيعية حينا، والكردية - التركمانية حينا، وتفريغ العراق من مسيحييه. وفي سورية، اعتمدوا على فتنة طائفية وعرقية ودينية، وفي مصر حيث لا يوجد علويون ولا شيعة ولا اكراد ولا دروز، فإنهم يسعون لفتنة مسيحية- إسلامية، يرمون من خلالها إلى تفتيت الوطن المصري، وتهيئة المساحة اللازمة للغرب للمطالبة؛ إما بتفريغ مصر من أقباطها أو بإقامة دولة قبطية في مصر، والهدف الأخير الذي يسعى له الإرهابيون ومن ورائهم هو تهيئة الفرصة اللازمة للكيان الصهيوني لتحقيق حلمه في إقامة دولته اليهودية الخالصة في فلسطين المحتلة.
اولئك وممولوهم، عربا أو غربا، يريدون إعادة تقسيم المنطقة التي شهدت آخر تقسيم قبل 100عام، ويرون أن الوقت قد حان لإعادة الترسيم بالطريقة التي ترضي الولايات المتحدة والدول الغربية والكيان الصهيوني، وهذا لا يتم إلا من خلال إحداث فوضى طائفية وعرقية ودينية.
ولذلك؛ فإن الصمت عن جرائم أولئك أو الاكتفاء بالإدانة والشجب والاستنكار لا يكفي اطلاقا، وإنما المطلوب تغيير نمط التفكير بشركائنا في الوطن (المسيحيين)، وتغيير نمط التفكير الجمعي والمجتمعي، ومعالجة ما يقوم به التنظيم الارهابي بشكل جذري وليس سطحيا، والذهاب لهدم المدارس الفكرية التي ينهل منها اتباع التنظيم، والحد من نفوذ مموليهم ومؤيديهم، وقبل ذلك الاعتراف بوجود خلل فكري ومنهجي نشأ عليه جيل كامل.
فالشرق يتعرض لهجوم ممنهج من قبل اولئك، يهدفون من خلاله لتفتيت وتشتيت مكوناته، ولذا فإننا بتنا بحاجة ماسة لإعادة النظر بمصطلحاتنا وتفعيل قوانيننا والذهاب لبناء دول مدنية حضارية، نؤمن فيها ان الدين لله والوطن للجميع، وهذا يتطلب تغيير مصطلحات خطابنا، والايمان قولا وفعلا بأن المسيحيين شركاء في الحضارة والوطن والارض، وتغيير حديثنا عن التعايش مع المسيحيين، والايمان بأنهم مكوّن أساسي، فالتعايش فكر فوقي لا يجوز استخدامه، وانما علينا ان نؤمن بأن المسيحيين جزء من الشرق، عليهم ما علينا ولهم ما لنا، وهم مواطنون وشركاء في السراء والضراء.
ان الوقوف والتفرج على ما يجري هو كفاعل الجرم، فالأصل ان نتحرك جميعا باتجاه تغيير نمط التفكير، واعادة النظر في الكثير من الكتب التي انتشرت في الشرق بفعل الدعم المالي، وبفعل المد السلفي الذي بات يهدد المنطقة كلها، وبات اثره واضحا في القاهرة ودمشق وبغداد وبيروت وغيرها.
الغد 2017-04-12