ترامب يجمّع أوراقه
اختار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، رد فعل عسكريا خفيف المستوى ضد مطار الشعيرات، في سياق الاستجابة السريعة على حادثة خان شيخون. لكن الرد حمل رسالة سياسية مهمة، سواء للحلفاء الأوروبيين والعرب، أو لروسيا وإيران، وحتى كوريا الشمالية، بأن أميركا تعود بعد فترة تردد وخمول ورثتهما من تركة إدارة الرئيس أوباما. ولا شكّ في أن العلاقة الصِفريّة، التي يُقِيمها ترامب في نظرته لأوباما، مدخلٌ أساسيٌّ لفهم مغزى الضربة الأميركية على الشعيرات، وما يتعلق بالكيماوي السوري و"الخطوط الحمر"، وهي فرصة انتهزها ترامب، الذي لا يتحقق إلاّ حين يُظهِر أوباما مُخطئاً وغير سديدٍ في تقديراته.
وبالرغم من أنّ ترامب تجنّب، كما ذكرت تسريبات صحفية، في إطار الرد على مذبحة خان شيخون، خيارات أشدّ، من قبيل قصف القصر الجمهوري، حيث يقيم بشار الأسد، واكتفى بردٍّ محسوب ومحدود، فإن هذه المحدودية دلّتْ على أن الاستثمار في العمل العسكري هو مدخل أميركا-ترامب لتنشيط مكانتها في الشرق الأوسط، وبخاصة في الملف السوري، الذي تكرر القول إنّ موسكو تُمسِك بتلابيه، وإنها صاحبة الكلمة الفصل فيه.
إذاً، ثمة استعادة أميركية لقدرة بعث رسائل "الردع"، وثمة تبديدٌ، بفعل الضربة الأميركية المحدودة، للصورة التي ينسجها خصوم ترامب له بأنه أول زعيم أميركي يتمكّن الروس من ابتزازه. وقد ظهر من اجتماع وزراء خارجية مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى الأخير في إيطاليا أنّ التناغم الغربي بشأن سورية في أفضل حالاته، وأنه للمفارقة، توارت، إن لم تكن اختفت، انتقادات الأوروبيين الكثيرة لترامب (وكثير منها مستحق)، بل تصدّر الاستعداد للعمل معه قائداً للعالم الحرّ.
وتكاد الحسابات الواقعية الأولية تشير إلى أن ترامب تمكّن عبر صواريخ توماهوك على مطار الشعيرات من تجميع مزيد من أوراق القوة، وهو، بعد أقل من 100 يوم من ولايته، في علاقة أحسن مع أوروبا، ومع دول الخليج العربية ومصر والأردن والعراق وإسرائيل. وحتى في الداخل الأميركي، وصل الحدّ بالمعلّق في "سي إن إن" فريد زكريا، أن يقول عقب ضربة الشعيرات: "الآن أصبح ترامب رئيساً لأميركا". وعليه، فقد يكتسب اليوم وجاهةً أكبر الرأيُ الذي ذهب في بداية عهد ترامب إلى أن الأخير لن يجلس إلى بوتين قبل أن يجمع بيده أكبر قدر من أوراق المساومة والنفوذ، بشأن سورية وداعش وإيران وأوكرانيا والعقوبات الغربية على روسيا.
ومع أن ترامب مُحبِطٌ لأي محلل أو مراقب؛ بسبب تقلبه وحبّه للمفاجآت وضعف خبرته السياسية وقلة لياقته وعدم اكتمال طاقم إدارته، فإن المقاربة التي تضمنتها الأسطر السابقة قد تكون أنسب ما يكون لرجل الصفقات-ترامب. لا نريد التورّط في المبالغات والتكهنات غير المضمونة، لكن قد يعني ما سبق، إنْ صحّ، موقفاً أقوى لترامب في أي حديث مع موسكو عن مناطق آمنة في الشمال السوري بتعاون مع الأتراك والأكراد، وفي الجنوب السوري كذلك، وقد يكون مقبولاً، في هذه الحالة التنسيق الأميركي مع موسكو للضغط على النظام السوري وعلى إيران للقبول بتجميد الصراع وعدم انفلاته، والقبول، إلى أجل ما، بمناطق نفوذ للنظام وللمعارضة، والاستمرار في مواجهة "داعش" في الرقة والموصل. والأرجح أن استعادة الدور الأميركي المؤثر في هذه الملفات سيكون مُحدِداً جوهرياً لإعادة تعريف العلاقة الأميركية-الروسية، وصياغة تفاهمات أكثر تفصيلاً بين موسكو وواشنطن، وربما "تخطي فترة العلاقة الصعبة بين البلدين"، كما قال الوزير لافروف.
الغد 2017-04-14