التحرش.. قوس مفتوح!
«لو كلنا كتبنا حكاياتنا هنا مش هتناموا بالليل» هكذا كتبت إحداهن على «تويتر» مختصرة كثيرا من الحكايات التي حفلت بها منصات التواصل الاجتماعي، وخاصة فيسبوك وتويتر، تعليقا على وسم (هاشتاغ) أطلق على تلك المنصات بعنوان «#أول_محاولة_تحرش_كان_عمري»
حين تقرأ ما كتبه الشباب والفتيات حول الحوادث التي مرت بهن وبهم، تصاب بالصداع، فالتحرش كان باتجاهين، فتيات صغيرات يتحرش بهن وشباب أيضا يتعرضون للتحرش من قبل فتيات!
الوسم أثار استهجان البعض باعتباره أولا مخجلا وثانيا، بدا وكأنه خاص بالمجتمعات العربية، علما بأن التحرش ظاهرة إنسانية لا يستثنى منها مجتمع، ويرى كثيرون أن هناك حملة قوية لخداع الشعوب الإسلامية تدعي أن المجتمعات «المنفتحة» لا يحدث فيها تحرش، للإيهام أن المجتمعات المحافظة وشيوع الحجاب هو سبب التحرش، علما بأن التقارير والإحصاءات تؤكد أن دول أوربا وأمريكا تعاني مما يعاني منه مجتمعنا الشرقي، وكمثال على هذا أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية، البنتاغون، بأن نسبة الاعتداءات الجنسية في الجيش الأمريكية ارتفعت بنسبة 50 في المائة وفقاً لإحصائيات عام منصرم، ونسب البنتاغون هذا الارتفاع إلى تشجيع الضحايا المدعين بالاعتداء الجنسي عليهم للإبلاغ عما وقع، وأن ذلك يعكس ثقة في استجابة الجيش الأمريكي لهذه الحوادث. ويشير تقرير البنتاغون إلى حصوله على 5061 بلاغا باعتداء جنسي عام 2013، وهي زيادة بنسبة 50 في المائة بالحوادث المبلغ عنها العام السابق له، والتي أشار إليها مسح رأي لأشخاص دون ذكر هويتهم عام 2012 نجم عنه مواجهة 26 ألف عنصر في الجيش لحالة اعتداء أو تحرش جنسي لم يرغب به الضحايا!
جلسة الحكي الجماعية، عبر الفضاء الإلكتروني، عن التحرش في المجتمع العربي جاءت بعد واقعة تحرش جماعي لإحدى الفتيات بمدينة الزقازيق (بدلتا النيل شمالي مصر) حيث تجمع عشرات الشباب حولها مؤخرا ولم يتركوها إلا بعد مطاردة الشرطة لهم. كما تأتي الفكرة كذلك بعد واقعة اغتصاب رضيعة، لم تتجاوز العامين، على يد عامل، شمالي مصر، نهاية الشهر الماضي، أثارت الرأي العام الذي طالب بإعدام الجاني.
حسب التقارير التي تعقبت الوسم، ورصدنا لما نشر فيه، جاءت الحكايات التي قصتها المتحرش بهن، عبر صفحاتهن على «فيسبوك» قاسية ومؤلمة فدائما ما كان الجاني أحد كبار السن أو قريبا للفتاة، واتفقت رواياتهن عن حوادث العنف الجنسي الموجهة للأطفال مع دراسة حديثة صادرة عن المركز القومي المصري للبحوث الجنائية والاجتماعية بأن 85% من ضحايا العنف الجنسي بمصر أطفال. ووفقا لتقديرات المجلس القومي لحقوق المرأة فإنه في مصر لا يمر يوم إلا وتتعرض 70% من النسوة للتحرش الجنسي في الشوارع. وكمثال على تلك الحكايات، تروي «ندى» أول واقعة تحرش تعرضت لها والتي كانت على يد ابن عمها، الذي يكبرها بـ24 سنة، وتقول أنه منذ هذا اليوم ولم تتوقف حوادث التحرش التي تتعرض لها.
وتضيف أن الواقعة الثانية، حدثت وهي في العاشرة من عمرها، من أحد جيرانها وصديق والدها البالغ من العمر 55 عامًا، ومرة أخرى من زوج أمها وكانت لا تزال طفلة، وتختم تدوينتها قائلة: «سيب القوس مفتوح» في إشارة لتكرار التعديات عليها!
القصة أكبر من أن تعالج في مقال كهذا، فهي أحد أمراض المجتمع المزمنة، ولها أسبابها الكثيرة، وهي تتراوح بين شيوع مظاهر الكبت والحرمان في الشرق، والانفلات الأخلاقي الذي عبرت عنه «الثورات الجنسية» في الغرب، وربما لنا عودة لهذا الموضوع يوما ما!.
الدستور 2017-04-14