ان ينتصر فينا منطق الانسان ..!
نودع يوما ثقيلا، ونستقبل غدا اثقل، والمسافة بين اليومين هي ذاتها المسافة بين غرفة واخرى، فالايام ( بل السنوات) في عالمنا العربي - مهما اختلفت ارقامها وايامها - تشبه تماما حجرات البيت الواحد، تدخل اليه من البوابة فلا تحتاج الى استئذان حين تتجول في ممراته وغرفه، وحين تألفه ويالفك تفقد الدهشة به مثلما يفقد الدهشة بك، وتبدأ مواسم الرتابة ما لم تطاردك اشباح الحوادث الطارئة.. تلك التي تحمل التغيير، ولكنها غالبا لا تحمل السعادة.
يا الله كم اشتقنا الى السعادة، كم انتظرناها بلا جدوى، كم طاردتنا اوهامها لكن بلا نتيجة، كم اغمضنا اعيننا عن الهواجس التي اثارها المنجمون وقراء الكف لتخويفنا من القادم، كم علمنا بعصور جديدة تفتح امامنا صناديق الوحدة والديمقراطية والحياة الفضلى، كم راهنا على الوعي الذي ينتج التغيير، على المطر الذي يبدد غبار الدروب على الامة التي تنتقل من الاطلس الى الحياة والفعل، كما فتحنا اعيننا على امم تتقدم نحاول ان نكون مثلها، على شعوب تتحرر من الخوف والقهر حتى نقف معها في طابور صناع الحضارة.
يوم ( بل عمر) صعب وثقيل يمر، واخر قادم سيأتي لا جديد فيه سوى الوهم : وهم الانفصال الذي يبدد سيئات الوحدة، ووهم الحروب الجديدة التي تعيد لمّ الشمل، ووهم التقدم الذي يفضي الى التخلف، ووهم الاصلاح الذي لا ينتج الا الخراب.
وحده الامل، يجعلنا نتطلع الى الامام، يدفعنا الى انتظار قطار الاصلاح، يشطب من ذاكرتنا الاحساس بالالم، يحررنا من السقوط في اليأس، يعيد لارواحنا توازنها، ولأبداننا قدرتها على الحركة.
مع كل نهاية يوم، نعيد جردة حساباتنا، وندقق في دفاترنا القديمة، ثمة ارباح وخسائر، وثمة حكايات تطمئننا على عافيتنا واخرى تسرق منا العافية، ثمة احساس بالفقر هذا الذي يحاصر جيوبنا وقلوبنا معا، واحساس بالتعب هذا الذي استعصى على وصفات الراحة وطول الاستجمام.
ما الذي يمكن للعربي ان يتفاءل به وهو يستعد لاستقبال ميلاد يوم جديد؟ وانا اكتب سمعت احدهم يسأل المفتي: هل يجوز اجهاض المولود اذا ما اكد الاطباء بانه سيولد مشوها ؟ كان الجواب: حرام ان نفعل ذلك، لماذا يا سماحة الشيخ؟ لانه نفس اكتملت ولا يجوز قتلها، كما لا يجوز - تماما - قتل انسان ابتلي بعد الولادة بالاعاقة .
اذن يوم جديد، من عمر جديد - لا بد ان نستقبله، حتى وان كان مليئا بالتشوهات والأزمات والاخطار، المهم كيف نستقبله، كيف نجعله اكثر انسا ورحمة، اكثر دفئا واحساسا بنا كبشر؟ يا لها من تساؤلات عجيبة، اولسنا من نصنع اعمارنا، من نلونها بانفاسنا وافعالنا، بايماننا وفجورنا، اولسنا من يدفعها بالسعادة او الشقاء، فلماذا نلومها ولا نلوم انفسنا اذن؟
لي امنية واحدة: ان ينتصر فينا منطق الانسان على منطق السياسة وحروبها، لكي نتحرر من الكراهية والخوف ونبدد هواجس الفرقة والانقسام.
الدستور 2017-05-06