تيه بلا صحراء !!
عبثا ننتظر اندلاع شرارة من حجر يحتك بعشبة او بظله، اذ لا بد من وجود حجر صلب آخر ليندلع الشرار، وهذا المثال بحد ذاته يشترط حدا ادنى من التكافؤ، وما يحدث في الطبيعة له ما يوازيه مع اختلاف التجليات في حياتنا الاجتماعية، والمطلوب على ما يبدو بعد كل هذه القطيعة الفعلية رغم ادعاء التواصل الافتراضي من الفرد ان يصفق بيد واحدة، وعليه لكي يحقق ذلك ان يضرب يده بالجدار او الباب او يصفع خده !
ان احد ابعاد العولمة غير المرئي بالعين المجردة هو القطعِنة وحذف الفوارق، بحيث يصبح الناس كالمسامير او اطباق بيض الدجاج ! وهذا ما حاول فقهاء الاستهلاك وفلاسفته تكريسه عبر الاعلان والثقافة السطحية المتداولة .
بعد حرب حزيران عام 1967 كتب الراحل د . صادق جلال العظم كتابا بعنوان النقد الذاتي قال فيه: ان العربي وجد نفسه بعد تلك الهزيمة اشبه بالسلحفاة التي فقدت صدفتها ولم يكن منتبها قبل ذلك الى انه وحيد وغريب ويصافح نفسه واحيانا يُراقصها، لأن غياب المشترك الوطني الحقيقي لصالح الشعار الاجوف والممنوع من الصرف اتاح للفردية ان تصل الى اقصى الانانية المجنونة، وفهم بعض الناس المثل الشعبي «ما حكّ جلدكّ مثل ظُفرك» على انه ليأت من بعدي الطوفان او على طريقة الشاعر الحمداني الذي قال اذا «متُ فلا نزل القطر» !
ان ذروة التواصل الافتراضي يوازيها قطيعة ميدانية غير مسبوقة، وكأن العربي الان اصبح المنبتّ الذي لا مجتمعا قطع ولا ذاتها أبقى، فهو يعيش بسايكولوجيا المتسول من وجبة الى وجبة، ويشعر بالذعر من المستقبل كما لو انه كمين بانتظار ابنائه واحفاده .
ولم يكن التيه ذات يوم في الصحراء كما هو الان في مدن مزدحمة وتعج بالملايين، وما كان بحثا عن الكلأ والماء اصبح بحثا مجنونا عن المأوى والامان ، فهل فقدت السلاحف اصدافها كما قال الراحل د . العظم ام انها جعلت من اصدافها بيوتا وقبورا لها وعلى كل واحدة ان تتدبر امرها وحدها ؟؟
الدستور 2017-05-10