هل يموت الأسرى في سجون الاحتلال؟!
يدخل إضراب الأسرى الفلسطينيين في سحون الاحتلال يومه السادس والعشرين، وما يزال بعيدا عن اولويات السياسة الدولية ولم يقفز إلى رأس اجندة الاخبار. ومن الواضح كما تدل الخبرات السابقة ان السياق الدولي الراهن عاجز عن ممارسة ضغوط حقيقية على دولة الاحتلال، او حتى الانتقال إلى مرحلة اكثر جدية من الوضوح الاخلاقي والانساني في هذه القضية، في الوقت الذي تتحدث فيه المصادر الفلسطينية ان نحو 1600 مواطن فلسطيني قد اعتقلوا منذ مطلع العام الحالي، وهو ما لم يشهده مكان آخر في العالم ، وان نحو 40 % من الفلسطينيين قد اعتقلوا أو دخلوا السجون الاسرائيلية في مرحلة ما من حياتهم منذ عام 1967، وهو ايضا ما لم يحدث في مكان آخر.
المطالب والرهانات التلقيدية لم تعد واردة مثل تغير درامي في الموقف الدولي او استجابة اسرائيلية مفاجئة لمطالب الاسرى او حتى ان توحّد المعركة الراهنة القيادات السياسية الفلسطينية المنقسمة منذ سنوات طويلة. ويلاحظ ان القوى الفاعلة في هذه اللحظات هي اقرب ما تكون إلى قوى شعبية دون تنظيم إلى جانب قوى مدنية محدودة، فيما تواصل التنظيمات الفلسطينية التاريخية بمؤسساتها وهياكلها حالة الاسترخاء والاعتلال، لا شيء في الأفق محتمل، لا من قمة الدول الاسلامية والولايات المتحدة ولا من الوعود بحلول من خارج صندوق السياسة والتاريخ، فيما تشي معركة الأسرى بالعودة إلى الناس إلى الفلسطينيين البشر الذين يرضخون تحت وطأة اكبر مظلمة وقضية حقوقية عابرة للقرون والاجيال، بعيدا عن النخب والتنظيمات والمؤسسات التقليدية والجديدة ، أي المقاومة النوعية والمقاطعة.
حادثة رمزية تحتاج التوقف، كيف اضطرت إحدى سلاسل مطاعم الوجبات السريعة إلى الاعتذار للفلسطينيين بعد أن سخرت من اضراب الأسرى داعية إياهم لتناول وجباتها السريعة؛ إلى هذا الوقت لم يجرب الفلسطينيون بشكل جدى المقاطعة واختبار قدرتها في تغيير معادلة اقتصاد الاحتلال، على الرغم من انجازات حركة المقاطعة الفلسطينية إلا ان الواقع السياسي العربي والفلسطيني أفرغ هذه المقاطعة من مضمونها السياسي وتحولت إلى صنم مقدس لا ينفع ولا يضر يستثمر في إدارة العراك السياسي أكثر من أي شيء.
المقاطعة في الأصل مبدأ سياسي هدفه المناورة لتحقيق مصالح عليا وليست فكرة إيديولوجية وشعارا يرفع ويصفق له، فالولايات المتحدة ذاتها تعد من أكثر دول العالم تاريخياً استخداماً لهذا السلاح؛ فهي تقاطع وتحاصر وتمنع متى ما شاءت، وكيفما رغبت، وحسب ما تقتضيه مصالحها.
لا يملك العرب المعاصرون تراثا في المقاومة المدنية ولا حتى المقاطعة النوعية، وينسحب الأمر على ثقافة المقاومة المدنية التي لم نوطنها، الأمر الذي أوقعهم ضحية التعبيرات الاحتجاجية العنيفة التي فلت بعضها من عقال المنطق وخلقت الموجة المعاصرة من العنف والعنف المتبادل على جبهات قد لا تكون في معظمها هي الجبهات الحقيقية للمقاومة والمعارك، ما عقّد الموقف أكثر وجعل معركة الفهم المتبادل مع العالم أكثر صعوبة.
اسرائيل لا تريد ان يموت الأسرى واحد بعد الآخر في سجونها وتعلم حجم تأثير هذا التحول على صورتها في العالم المتمدن، وسوف تلجأ إلى ما يسمى التغذية القسرية، في هذا الوقت قد تكون هذه المعركة شرارة تقود إلى تحول تاريخي نحو مقاومة نوعية جديدة رأسمالها الفعلي مقاطعة ومقاومة مدنية جديدة تعيد فهم العالم لحقائق الصراع. لا يوجد في أيدي الفلسطينيين إلا سلاح المقاطعة والمقاومة المدنية التي أمامها فرصة أن لا تتحول قضية العرب والمسلمين وحسب بل قضية حقوقية وأخلاقية عالمية مقلقة.
الغد 2017-05-13