أميركا ما بعد دونالد ترامب؟
لم تمض سوى بضعة أيام حتى انضمت وزيرة الخارجية الكندية، كريستيا فريلاند، يوم الثلاثاء الماضي، إلى المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، في تأكيدها على عدم إمكانية الاعتماد على الولايات المتحدة الأميركية في حماية حلفائها. وفيما تعهدت الوزيرة بتنفيذ استثمارات عسكرية كبيرة، كشفت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، نهاية الشهر الماضي، عمل ألمانيا ودول أوروبية أخرى، بصمت، على بناء جيش أوروبي.
خلافاً للوم الشائع لإدارة الرئيس دونالد ترامب تحديداً، فإن هكذا تصريحات ومواقف ألمانية/ أوروبية وكندية -يمكن وصفها بالاستراتيجية- تؤدي إلى فهم نقيض تماماً، يتمثل في أن سياسة إدارة ترامب، بإدراك بعض من أقرب وأهم حلفاء الولايات المتحدة، ليست سياسة طارئة لمدة أربع أو حتى ثماني سنوات على الأكثر، يمكن تمضيتها بالاعتماد على التعاون والتنسيق مع المؤسسات الأميركية العابرة للإدارات والحزبين الديمقراطي والجمهوري، لحين عودة الولايات المتحدة إلى توازنها. لذلك، يبدو الخيار الأنسب، إن لم يكن الوحيد، لهؤلاء الحلفاء هو التصرف على أساس خروج الولايات المتحدة من المسرح العالمي كحليف على الأقل، ولا سيما أن من الممكن تتبع ارهاصات انتصار مدرسة عزلة الولايات المتحدة إلى عهد الرئيس السابق باراك أوباما الذي أبدع في خطابات تبرير انكفاء بلاده خارجياً.
على الرغم من هكذا استنتاج، فإن سياسة إدارة ترامب قد تكشف عن استراتيجية أشد خطورة من تخلي الولايات المتحدة طوعاً عن دورها القيادي عالمياً. لكن من دون معرفة ما إذا كانت استراتيجية عابرة للإدارات وحزبيها الرئيسين.
أفضل ما قد يعبر عن ذلك سؤال صحفي أميركي للناطق باسم البيت الأبيض شون سبايسر، في المؤتمر الصحفي الذي عقد قبل أيام، عما إذا كانت تغريدات الرئيس ترامب، على موقع "تويتر"، تعبر عن السياسات والمواقف الرسمية الأميركية. وإذ جاء الرد، الطبيعي طبعاً، بالتأكيد على أنها كذلك، فهو -كما قال سبايسر- رئيس الولايات المتحدة، فإن السؤال كما الجواب يؤكدان على حجم التناقض الظاهر في الرؤى والمواقف حتى داخل الإدارة الرسمية ذاتها على الصعيد الخارجي تحديداً، وبشأن سلسلة لا تكاد تنتهي من القضايا والدول.
ومن ثم، هل يمكن افتراض، إن لم يكن استنتاج، أن الإدارة الأميركية، ولربما كل مراكز صنع القرار العابرة للإدارات، لا تريد الانسحاب من العالم، لكنها تستخدم التهديد بالعزلة لأجل إخضاع الحلفاء وليس أي فريق آخر؟ بعبارة أخرى، لم تعد الولايات المتحدة تقبل بالتعاون والإقرار بالقيادة، بل هي تريد أن يرجوها العالم –أي حلفاؤها تحديداً- القيادة، وهي لكي تقبل هذا "الرجاء" فإن على هؤلاء الحلفاء الخضوع تماماً لكل الطلبات الأميركية؛ مالية وسياسية وعسكرية وسواها.
لكن حتى بقبول مبدأ الإذعان، وإذا لم تكن الولايات المتحدة راغبة في احتلال أراضي حلفائها أو أقلها وضعهم تحت الوصاية المباشرة، فإنه سيظل مستحيلاً معرفة الحد الذي يرضيها من الخضوع الذي يوفر الحماية للحلفاء! وليكون مستحيلاً –بكل الأحوال- التعويل على "أميركا ترامب" أو سواه، كما يبدو في مواقف ألمانيا وكندا تحديدا.
الغد 2017-06-12