كتاكيت الفيل
أدير بوصلتي شرقاً غرباً شمالاً جنوباً. لا بارقة أمل تلوح. أنصعق خوفاً فأرفع رأسي المثقل: يا الله، يا مالك الجهات الست. هل ثمة أفق مفتوح غير جراحنا السادرة في الطرقات، وفي منافي الجوع ومخيمات التشرد؟ هل ثمة قيح ينداح غير أوجاعنا ومآسينا وآلامنا.
نحن جرارك الفخارية يا رب، إذا سقط علينا حجر تكسرنا، وإن سقطنا على حجر تشظينا. نحن عشبك الندي اليانع. فلماذا تركت الفيلة تسحقنا وتمحقنا؟.
رغم ضخامتها المهولة، إلا أن الفيلة الحقيقة تمتلك أخف مشية يمشيها كائن حي. هل لاحظتم هذا؟ هي تمشي الهوينى الناعمة، حتى أنها قد تمر من جوارك، دون أن تشعر بها. هي خفيفة عطوفة على أديم الأرض، وكأنها تمشي على بيض خداج.
هذه الفيلة الوادعة، التي تبكي كالإنسان إذا ما توجعت أو حزنت. هذه الفيلة تنقلب إلى كائنات شريرة همجية إذا ما تعاركت مع بعضها البعض. تقلب الأرض وتحرثها، فلا تبقي ولا تذر. والضحية الدائمة هو العشب. تماما كالشعب يسحق بأقدام الفيلة البشرية.
شرقا غربا شمالا جنوبا خليجا. لا شيء في أفقنا إلا عشب مسحوق. لا أحد يدفع ثمن سياسات وصراعات الكبار إلا الصغار. إلا العشب/ الشعب لا فرق في زحف الحروف. نحن من يدفع الثمن وافياً. فمن هم سكان المخيمات وفيافي اللجوء؟ من هم أبناء غيوم الحزن والثكل والألم المقيم.
في حديقة حيوان جربت ذات مرة أن أحدّق في عين فيل. كانت عيناً وادعة شفوقة، دمعتها متحفزة في ميناء جفنها. ولهذا أرجو أن أبرئ ساحتها من كل غلظة وقسوة وهمجية.
هناك تكتيك عبقري متبع حينما تُنقل الفيلة من بلد إلى بلد في الطائرات. فمن المفروض أن تبقى هادئة ساكنة بلا عراك أو شجار، وإلا انقلبت الطائرة وتحطمت مثل إبريق فخار. ولهذا يلجأ كابتن الطائرة إلى بث كثير من الكتاكيت (صيصان الدجاج) بين أرجل هذه الفيلة الضخمة.
في هذه الحالة يعرف الفيل العطوف، أن أية حركة لا تعني إلا موت كتكوت. ولهذا تسكن واقفة كصنم، مهما طال أمد الرحلة. فليت فيلتنا البشرية ينظرون تحت أقدامها، ويرون من هرس، وقتل، وسحق، وضاع، وتشرد بسبب صراعاتهم وسياساتهم، وبسبب معارك كسر العظم، التي يخوضونها فيما بينهم. ليتنا كتاكيت تزقزق.
الدستور 2017-06-15