يحدث حين تختل موازين العدالة...!!
ما لم نستدع على الفور موازين العدالة في بلادنا لكي تنتصب وترتفع أمام الناس، فيأخذ الجميع حقهم من مغانم الدولة كما يدفعون ما عليهم من مغارم وضرائب، فأن كل ما نتداوله حول القانون الحاكم والوطنية الحقة التي تتطلب التضحية والانتماء والعيش المشترك، وكل ما يخطر في البال من قيم تعلمها شبابنا وتربوا عليها من نعومة اظافرهم ستكون امام امتحان خطير، واخشى ما اخشاه ان يسألنا ابناؤنا عن كل ما قلناه لهم واقنعناهم به من قيم العدالة والمساواة وهم يرونها تنكسر امامهم يوما بعد يوم بفعل ما يرتكبه بعض المسؤولين من تجاوزات هنا وهناك.
لا احتاج، هنا للتذكير بما حدث في مجتمعنا، وما يحدث، من قصص مخجلة أخرجت من الناس أسوأ ما لديهم من إحتقانات واحزان وتساؤلات مريرة، كما لا اريد ايضاً ان اقلّب المواجع حول الصورة التي يحاول البعض ان يرسمها «للدولة»،والخفة التي يتعاملون بها مع تقاليدها وقوانينها، هذه القصص أصبحت متداولة على ألسن الناس وعلى الفضاءات الالكترونية، وأخطر ما فيها انها تعيد الى الاذهان مرحلة كان فيها الأردنيون يتندرون من سؤال من أنتم؟ هذا السؤال الذي يطرحه البعض لإظهار الفوارق بينهم، واشهار حالة «البريستيج» التي يحاولون تقمصها، الأمر الذي افرز شيزوفرنيا اجتماعية تشكلت للأسف بسبب انهيار الطبقة الوسطى في مجتمعنا مع نشوء طبقة جديدة اعتاشت من اختلاط «البزنس» بالسياسة، وامسكت بزمام المقررات، واستحوذت على كل المكتسبات دون ان تترك للآخرين فرصة للتنافس عليها.
هل قلت التنافس؟ نعم، فقد ذكرني بذلك احد الشباب الذي بعث إلي برسالة «عتب» ( هل أقول غضب) حول رحلته منذ ان تخرج في الجامعة الى ان وجد نفسه «طريدا» يبحث عن عمل في احدى الدول المجاورة، يقول الشاب انه تخرج بامتياز وبدأ يبحث عن فرصة عمل في بلده، لكنه اكتشف ان كل الوعود التي سمعها كانت «كاذبة» ثم اكتشف ان زميلين من دفعته تعينا في احدى المؤسسات وآخرين يعرفهم تم توظيفهم في وظائف محترمة، حين سأل لماذا، عرف ان وراءهم «رؤوساً» كبيرة، وانهم من «المحظوظين» الذين تفتح لهم أبواب الوظائف دون ان يتنظروا على قوائم ديوان الخدمة المدنية، هذه التي قد تفتح الأمل للبعض بعد انتظار سنوات طويلة، وربما لا تفتح ايضاً.
يقول الشاب: تصّور لو ان موازين العدالة في التوظيف فقط، كانت قائمة على مسطرة واحدة تكفل للجميع التنافس عليها، ويتم اختيار أصحاب الكفاءة، كيف سيكون حال بلدنا، وكيف ستكون نفسية شبابنا، وكيف سنفخر بإنجازاتنا في كافة المجالات.
قبل ان نسأل هذا الشاب وغيره، لماذا تهرب الى الخارج وبلدك بحاجة اليك، او لماذا تريد ان تنتقم من نفسك ومن مجتمعك؟ او لماذا تشعر بالعتب او الغضب مما يحدث حولك، او لماذا تضل قدماك الى طريق التطرف او الانحراف، لابدّ ان نسأل أنفسنا عما فعلناه بهم، خاصة حين سمحنا لموازين العدالة ان تختل، وتعاملنا مع هذا النشء بمنطق «الازدواجية» في المعايير، واعدنا تذكيره بمقولة من أنتم؟ هذه التي تصنف الشباب على أساس حظوة الآباء والاجداد، او المناصب والمراتب، او الفقر والثراء.
يا سادة، لا يريد هؤلاء الشباب مساعدة او منّة من أحد، لا يريدون امتيازات او مخصصات او إعفاءات، لا يريدون من يذكرهم بضرورة الانتماء لبلدهم او ان يكونوا مشاريع «شهداء» دفاعاً عن الوطن، لأنهم فعلاً كذلك، ومؤمنون بكل هذه القيم وجاهزون للتضحية من اجل الوطن، كما فعل غيرهم من الشباب الأردنيين الذين استشهدوا من اجلنا، انهم يريدون فقط ان نكون جميعاً «نحن» بلا فوارق ولا تمييز ولا فرز! وان يكون الوطن للجميع، وأن يعاد انتصاب موازين العدالة لكي يحصل الكل على حقوقه دون مواربة او وساطة او تبادل مصالح ومنافع او استقواء او إحساس بأن هذا يرث واخوه لا يرث، وهو إحساس خطير يهدد سلامة مجتمعنا ويعمق الكراهية داخله لا قدر الله.
الدستور 2017-06-19