نماذج للأزمات ما بعد داعش
ما زالت القاعدة الامريكية في التنف شبه محاصرة من ثلاث جهات من قوات النظام السوري والمليشيات التابعة لإيران؛ فمجال عمل القاعدة لم يتجاوز الـ50 كم؛ ومحاولات الاندفاع شمالا لتوسيع المواجهة مع المليشيات التابعة للنظام وايران خارج نطاق الـ 50 كم تصدى لها الطيران الروسي لتتحول الـ 50 كم الى مصيدة للقوات الامريكية اختارتها لنفسها كمنطقة لا يجوز تجاوزها.
في مقابل ذلك كله اظهرت العديد من التسجيلات المصورة التقاء قوات الحشد الشعبي الشيعي في العراق مع المليشيا التابعة للنظام وايران عند الحدود السورية العراقية؛ فالانباء باتت شبه مؤكدة حول التواصل الجغرافي بين المجاميع المسلحة العراقية والايرانية في سوريا؛ ما يعني ان التواصل الجغرافي تحقق وان جهود الولايات المتحدة المعلنة فشلت في وقف المشروع الجيوسياسي بل سرعت فيه عمليا راسمة خطوط تماس ومواجهة جديدة في سوريا والعراق.
على الجانب الآخر من المواجهة، فإن تقدم قوات قسد الكردية الانفصالية في مدينة الرقة باعتباره مشروعا امريكيا ناجحا الى الان، قابله تحفظات كبيرة للعرب والاتراك على توسع المشروع الكردي الانفصالي الذي يعاني عمليا من قصور ذاتي كبير في سوريا.
فالمشروع الانفصالي الكردي في سوريا والمتضخم عسكريا دخل في مرحلة الخطر بعد اعلان اقليم كردستان عن نيته الاستفتاء للاستقلال عن العراق؛ ما يعني ان الازمة مرشحة لمزيد من التصعيد في الاشهر القليلة المقبلة بمنحى جديد يقف الملف الكردي على رأسه، مهددا بإعادة تشكيل التحالفات وتبدل في المعسكرات مقدما نموذجا واقعيا آخر لمرحلة ما بعد داعش وخطوط التماس الجديدة.
ليس بعيدا عن ذلك كله، فإن المواجهة في الخليج العربي والازمة المتفجرة تعطي بعض الملامح للملفات المطروحة مستقبلا، والتي كانت على تماس وصلة بهذه الازمة؛ كمستقبل التطبيع مع الكيان الصهيوني، ومستقبل المقاومة الفلسطينية راسمة معالم جديدة للمواجهة في العالم العربي؛ فما بعد داعش مرحلة عصية على التشكيل لأنها ما زالت تعتاش على ارث داعش في رسم معالم المرحلة المقبلة، وهنا يكمن الفشل وتبرز معالم الاستنزاف المدمر الذي ستعانيه المنطقة في السنوات المقبلة تحت عناوين جديدة؛ ابرزها التقسيم والانفصال وتعني "الاكراد والترك والايرانيون والعرب"، والتطبيع وتفضي الى "الهيمنة الاسرائيلية الاقتصادية والسياسية"، والطائفية وتختص بـ"الايرانيون والعرب" وغطاء ذلك كله سيبقى الحرب على الارهاب والتحالف ضده لإعادة تشكيل القضايا والصراعات في المنطقة، مبقيًا على حالة الاستنزاف والضعف التي ستطال كيانات ودولًا جديدة على الارجح.
السبيل 2017-06-19