أشهد أن الصحراء عشيقتي

تم نشره الجمعة 15 تشرين الأوّل / أكتوبر 2010 06:15 مساءً
أشهد أن الصحراء عشيقتي

المدينة نيوز – خاص – تقرير وتصوير جهاد جبارة - : في الحديث عن المكان,وسرد شهادتي فيه فإنه لا بُد وأن أقتبس من كتابي "صهيل الصحراء "-الجزء الأول-نصاً قصيراً,وهو يشهد على ذلك الولع,والشغف بذلك المكان النائي البعيد,والمكتظ بالأسرار.يقول النص "إن السراب الذي يخشاه عابر الصحراء ويعتبره مخادعاً,وأحد مكائدها كان بالنسبة لي مبعثاً لفرح غامض,وغريب,فعندما لاح لي وعلى امتداد المشهد في ظهيرة قفزت خلالها درجات الحرارة إلى ما فاق الأربعين,خُيّل لي بأني أشاهد بحراً أزرق كان يحيط بمدينة مترامية الأطراف,لقد رأيت ما لم أتمكن من وصفه,إنها المدينة "الحُلم ",لقد كانت تنتصب على رقعتها المآذن,وقباب المساجد,والبيوت الآهلة بالسكان,كما ظهرت بعض أشكال تشابه السفن الكبيرة,وكاد يُخيّل لي بأن المكان المتراقص فوق ذلك الزراق اللامتناهي ما هو سوى ميناء بحري أتته السفن لتفرغ حمولتها على رصيفه,لقد شاهدت مدينة ليست في الوجود! ".
انتهى الإقتباس
إذن ستكون شهادتي عن الصحراء,تلك الفيافي البعيدة والممتدة إلى ما لا نهاية,وهي أي الشهادة ليست عن أية صحراء,بل عن الصحراء الأردنية تحديداً والتي إن تزودنا بالخيال قبل ان نسرج خيولنا,ورحنا نعبرها فلا بد حينها أننا وافقنا,وسلّمنا أمرنا لغموضها,وسحرها,وهيبتها,ففي أقصى شمالها الشرقي حيث الحَرّة البازلتية السوداء تتناثر على رقعتها تلك القطع الداكنة التي لفظتها الأرض من رحمها في أزمنة سحيقة,غابرة عبر تلك البراكين التي لا زالت بكامل هيبتها تتحدى العابر الغريب,وكأنها تتوعده بثوران جديد,لكنها على ما يبدو لن تفعل خشية أن تُبدّد,وتمحو تلك الرسوم,والنقوش التي تركها رعاة,ومرتحلون من البدو الذين سكنوا تلك الرقعة قبل آلاف السنين.
هناك,ولا زلتُ أعني عمق الحَرّة الأردنية,فإن العابر لا يكاد يلتقي مع أحد ما سوى الأكمات,والرجوم,والخُشع التي تُشابه في أشكالها ضهور السلاحف وبعض عقبان إما مُحلقة على ارتفاعات منخفضة قريبة من سواد الأرض,أو أنها جاثمة على أطلال لا يمكن للعين اكتشافها منذ النظرة الأولى لشدة تقارب سواد ريشها مع سواد حجارة الأطلال,لكن هناك يمكن للمرء إن هو أحسن التخيّل أن يلتقي مع بعض أولئك القدماء الذين لا زالوا يسكنون المكان ولم يغادروه,أقصد الذين ماتوا ثم دُفنوا في قبور ارتفعت فوقها الرجوم السوداء للدلالة على الموقع الذي بات المقر الأخير لذلك المتوفى.
في تلك الصحراء المُقفرة,يتضح للمرء بأن ثمة من كان يقطنها,فتعلّق بها فأضحت له وطناً مما دعاه لأن يُطلق الأسماء على تشكيلاتها فللغدران,والأودية,والأكمات,والخُشع,والقيعان,والمربّات,والبراكين أسماء يُستدل بها عليها.
إنني وفي شهادتي عن المكان فلا بد لي أن أشير إلى تلك الهجرات التي تقوم بها الطيور الجارحة مثل البواشق,والحديّات,والعقبان,والشواهين,والصقور بأنواعها آتية كل خريف من موطنها في أوروبا لتُقيم أياماً على أرض تلك الصحراء ثم تودعها مكملة طريقها نحو -السافانا-الإفريقية,وكأن قلوب تلك الطيور قد شُغفت بالمكان فتعلّقت به,فأورثت هذا الشغف,وهذا التعلّق لأحفادها الأصغر سناً.
وفي شهادتي عن المكان الذي هو الصحراء المُقفرة فلا بد لي من الإتيان على ذكر تلك المدينة العظيمة "جاوا " أي تلك التي أسماها البحث-هيلمز-the lost city in the black desert أي المدينة الضائعة في الصحراء السوداء التي ما زالت أسوارها,وخزانات مياهها شاهدة على أولئك "الجاويين " الذين أبدعوا في تشييدها منذ العصر البرونزي المُبكر والذي يمتد من3500 إلى2000 عام قبل الميلاد,إن هذه المدينة تقع في منطقة صحراوية جافة,مغطاة بالحجارة البازلتية السوداء الموحشة,لكنها تُجاور ذلك الوادي العظيم "راجل " الذي كان يمدها بالماء,لقد تعلّق "الجاويون "بالمكان وأقاموا حضارة,وشيدوا مدينتهم التي قُدّر عدد سكانها آنذاك بستة آلاف نسمة!,ما كانوا ليهجروها طوعاً لولا أن كارثة كانت قد لحقت بهم فأودت بالمدينة السر.
أما إذا توغلنا باحثين عن أناس يسكنون بعض مناطق الصحراء خارج الحَرّة البازلتية,فقد نجدهم وقد أقاموا قريباً من الغدران التي تردها قطعانهم,وعلى الرغم من قسوة العيش فإننا ننبهر من درجة الولع,والتعلق بالمكان لدى أولئك الناس,وأذكر أن ذئباً هاجم قطيعاً لأحد البدو هناك واستولى على إحدى النعاج,لكن صاحبنا لم يغضب بل فسر لي ذلك,بأن للذئب الذي تعلّق قلبه مثل قلوبنا بالصحراء له حصته في هذا القطيع فليأخذها وإلا فإن جرائه ستموت جوعاً.

 


 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات