التمويل الأجنبي.. (غطاء للثراء) أم ضرورة تفرضها (متطلبات العصر)؟
بين الحين والآخر تُثار قضية التمويل الأجنبي في الشارع الأردني بجدليتها «الأزلية» بين طرفي المعادلة. إذ يرى طرف أنها، في جزء منها، «جريمة» مستنكرة تتجلى بالإذعان لأجندات الممول إضافة إلى فرضها على المجتمع، بما لا يتناسب مع ثقافته وعاداته وتقاليده وأنها «غطاء للثراء السريع».
فيما يرى الطرف الآخر، والممثل غالبا بمؤسسات المجتمع المدني، في التمويل «ضرورة لا غنى عنها» في ظل «عدم مقدرة الحكومات» على تقديم الخدمات المطلوبة للمجتمعات المحلية أو للاجئين أو تمويل هذه المؤسسات، إضافة لضعف دور القطاع الخاص (جله لا كله) في جانب المسؤولية الاجتماعية ومساعدة المجتمعات المحلية.
ولا يقصر التمويل الأجنبي الذي تقدمه الجهات المانحة على جانب بعينه، بل يغطي جوانب بعضها يحمل أهمية ملحة في الأردن وعلى راسها قطاع اللاجئين والبنية التحتية والمياه والإتصالات والبيئة والقضايا التنموية للمجتمعات المحلية والمشاريع الصغيرة والسياحة والعون القانوني وغيرها الكثير.
وعلى رغم أن التمويل قضية جدلية في مختلف دول العالم الثالث وتحديدا العربية منها، نظرا لمخاوف الكثيرين من فرض أجندات يتم تفصيلها بحسب أولويات الممولين ومؤسساتهم ودولهم، إلا أنها محليا تأخذ منحى جدياً مدفوعاً برأي عدد من الشخصيات والجهات والمؤسسات التي تتصلب برأيها وترى في التمويل الأجنبي «خيانة لا تغتفر».
لا يقصر الحديث عن قضية التمويل في المجلس والصالونات بل تتناولها وسائل الإعلام ولو على «خجل» أحيانا من خلال المواد الصحفية والبرامج التلفزيونية وحتى في جلسات مجلس النواب، الذي هاجم عدد من أعضائه مؤسسات المجمع المدني «الممولة» واصفا إياها «بأوكار للجاسوسية» في رأي يميل إلى تجريمها قانونيا إضافة إلى تجريمها شعبيا.
وعلى النقيض تماما ترى معظم مؤسسات المجتمع المدني أن ما يتداولة «رافضو التمويل» فيما يتعلق بفرض أجندات خارجية ومشبوهة أو أن هذا التمويل أو ذاك يستهدف شرخ النسيج المجتمعي وفرض واقع جديد واستبدال القيم والعادات، ما هو الا جزء من نظرية المؤامرة التي تعيش في ذهن الكثيرين.
وعلى الجانب الاخر تجرم النقابات المهنية التمويل وتفرض عقوبات على منتسبيها الممولين قد تصل الى الفصل من سجل الممارسين، وهو ما قامت به نقابة المحامين الأردنيين بفصل عدد من أعضاء الهيئة العامة الذين يديرون مؤسسات العون القانوني «في حين تغاضت عن آخرين».
نقيب المحامين الأسبق النائب صالح العرموطي قال أن بعض هذه المؤسسات الممولة تتعامل بطريقة «الولاء لمن يدفع» ورأى أن كثيرا منها تعمل بشكل مخالف للقوانين الأردنية.
وأضاف أن عددا منها سجل كشركة غير ربحية لكنها تعمل لغايات وأهداف تخالف الغايات التي أنشئت من أجلها، وتساءل عن الثروات التي صنعها بعض القائمين على هذه المؤسسات تحت مسمى «شركات غير ربحية».
وبين العرموطي أنه أرسل كتابا لرئيس الوزراء ووزير الصناعة والتجارة عندما تولى موقع نقيب المحامين سابقاً وجاء رد وزير الصناعة أن عددا من هذه المؤسسات يعمل بشكل مخالف ويجب تصويب أوضاعها إلا أن العرموطي قال «حتى الآن لم تصوب هذه المؤسسات أوضاعها».
وأشار العرموطي إلى وجود قرار يقضي بضرورة تبليغ مجلس الوزراء عن أي تمويل لأي مؤسسة إلا أن الكثير من هذه المؤسسات لا تخاطب المجلس ولا تبلغ عن التمويل، واتهم بعض هذه المؤسسات بأنها تعمل «أوكاراً للجاسوسية» في الاردن.
واعتبر أن الخطورة تكمن في فرض أجندات الممول مثل طلب تدريس مساقات معينة في الجامعات والمدارس بالاضافة إلى إجراء تعديلات قانونية على بعض التشريعات لا تتناسب وعادات المجتمع وثقافته ودينه، وحض الحكومة على مراقبة كل أوجه التمويل في المملكة.
ويرى عدد من القائمين على مؤسسات المجتمع المدني الممولة أن معظم دول العالم تمول المجتمع المدني بما فيها الدول الغربية، وفي الولايات المتحدة الحكومة تمول بما لا يقل عن 300 مليون دولار علاوة على أن القطاع الخاص يمول مؤسسات المجتمع المدني في تلك الدول.
واعتبروا أن الأردن يفتقر إلى منظومة محفزة للتطوع، وأن القطاع الخاص في الأغلب ينظر الى التمويل بجانبه الدعائي الإعلاني، ما يفرض على هذه المؤسسات البحث عن تمويل خارجي.
ويرى هؤلاء أن إنشاء الجمعيات حق دستوري مستدلين على ذلك بالبند 2 بالمادة 16 من الدستور التي تقول «للأردنيين الحق في تأليف الجمعيات والأحزاب السياسية على أن تكون غايتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم لا تخالف أحكام الدستور» واعتبروا أنه حق دستوري طالما كانت غاياتها مشروعة.
من جانبه يقول منسق وعضو هيئة تنسيق مؤسسات المجتمع المدني «همم» ومدير مركز الفينيق أحمد عوض أن العلاقة بين مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الأجنبية هي علاقة أقرب لمفهوم «الشراكة» منها إلى «التمويل»، معتبراً أن مصطلح «التمويل» يفيد أن مؤسسات دولية أو جهات تمول أعمال جهات أخرى.
ويبين أن غالبية منظمات المجتمع المدني الأردنية العاملة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان تتشارك مع منظمات دولية تشاركها منظومة القيم في تحقيق أهداف مشتركة مثل تحسين شروط العمل أو وقف التعذيب أو الدفاع عن الحريات السياسية أو المدنية، أو تحسين حياة الأشخاص من ذوي الإعاقة وغيرها، سواء كان ذلك بتقديم خدمات مباشرة أو تعديل السياسات المتعلقة بها.
ويرى أن العالم «المعولم» حاليا، طوّر أدوات للتعاون الدولي والشراكات الجديدة، وهي حقيقة واقعة لا يمكن تجاهلها، ومنها الشبكات الدولية التي تعمل على تطوير معايير لكل جوانب الحياة والأعمال، وفي مجالات واختصاصات متنوعة، وليس فقط حقوق الانسان، وأن هناك معايير دولية لأعمال المحاماة والهندسة والطب والطيران والمحاسبة وغيرها من المجالات، ومعايير حقوق الانسان جزء منها.
ويقول «إن كان هنالك أشخاص لا يؤمنون بحقوق الانسان أو جانب منها، فهذا حقهم. ولكن ليس من حقهم منع الآخرين من الدفاع عن حقوق الانسان المختلفة».
ولاحظ أن العالم المعولم «أنشأ منابر ومنصات وشبكات تتشارك في منظومات القيم ومجالات العمل، ومن حقها أن تعمل مع بعضها البعض».
أما فيما يتعلق بالممارسات الخارجة عن القانون، يقول عوض أن القضاء هو الفيصل في هذا المجال، منبها إلى أنه «إذا كان هناك مؤسسات مجتمع مدني تخالف القانون في أعمالها، فهذا مرده الى الجهات المختصة ولا يجوز تعميم هذه التهم بعشوائية على الجميع» ومبينا أن وجود حالات فساد في قطاع معين، لا يعني أن كل القطاع فاسد.
الرأي - الثلاثاء - 11/7/2017